blogs.fr: Blog multimédia 100% facile et gratuit

smailmhamedi

Blog multimédia 100% facile et gratuit

 

BLOGS

Blog dans la catégorie :
Actualités

 

Annonce vocale

 

Statistiques

 




Signaler un contenu illicite

 

smailmhamedi

 

اللسانيات النفسية بين علم اللغة وعلم النفس من انجاز محمدي اسماعيل

 

مـقدمــة

 

برز في الخمسينات من القرن الماضي اتجاه جديد في مقاربة الظاهرة اللغوية. وقد جعل هذا الاتجاه من القضايا المشتركة بين علم اللغة وعلم النفس موضوعا له. سمي هذا الاتجاه: "اللسانيات النفسية" (أو علم النفس اللغوي). وتمحض لدراسة السيرورات الإدراكية المؤدية إلى إنتاج وفهم اللغات البشرية.

 

وتقفنا المتابعة المتأنية لمسار هذا العلم الجديد، منذ ولادته وحتى المرحلة الحالية، على فكرة مركزية مفادها أن الظاهرة اللغوية لا تنتج في معزل عن خلفية سيكولوجية تؤثث جوانبها، أو لنقل أيضا أن الظواهر السيكولوجية تجد في اللغة ـ اللفظية ـ خير سند في شكلنتها وبروزها إلى "أضواء" العالم المادي.

 

ومن هنا تبرز أهمية هذا الموضوع: "اللسانيات النفسية بين علم اللغة وعلم النفس" حيث إنه يسعى إلى بناء مقاربة شاملة تظهر التشابك الحاصل بين مباحث علم النفس ومباحث علم اللغة. وهذا لا يعني أن اللسانيات النفسية هي مجرد إعادة صياغة لما يقوله علم النفس أو علم اللغة، لا بل إنها تغذي بشكل استرجاعي النسقين المولدين لها، فلا شك أن الأبحاث اللسانية النفسية توظف في فهم قضايا كثيرة، سواء في علم النفس (حالات الصرع والكآبة...) أو في علم اللغة (آليات إنتاج واكتساب اللغة، طبيعة اللغة....)

 

سيحاول هذا البحث إذن، الوقوف على مدى العلاقة القائمة بين علم النفس وعلم اللغة، كما سيحاول إبراز كيف أدت هذه العلاقة إلى ظهور ميدان جديد في الدراسة هو: اللسانيات النفسية.

 

وبناء على ما سبق، سيقسم هذا البحث إلى ثلاثة أبواب كبرى هي على التوالي: علم اللغة، علم النفس، ثم اللسانيات النفسية بين علم النفس وعلم اللغة. كما سيخوض هذا البحث في قضايا تحتية نعرف من خلالها ـ في الباب الأول ـ  اللغة ثم علم اللغة، لنحاول بعد ذلك التمهيد للباب الثاني بدراسة الجانب السيكولوجي للدلالة اللغوية. وفي الباب الثاني سنعرف علم النفس وفروعه وموضوعاته، ثم سنقف على المدرسة السلوكية وأهم ما جاءت به ، لما لذلك من فائدة منهجية في التعريف باللسانيات النفسية، ونختم هذا الباب بعلاقة اللغة بالفكر، فنكون قد مهدنا بذلك للباب الثالث حيث سنعرف اللسانيات النفسية وأهم المراحل التي قطعتها قبل أن نختم البحث بأهم المجالات والموضوعات المنوطة باللسانيات النفسية.

الباب الأول: في علم اللغة

 

الفصل1: في تعريف اللغة

 

1-1-اللغة عند العرب

 

يوجز الشيرازي تعريف اللغة ـ كما ورد ذلك في القاموس المحيط ـ بقوله: "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم". ويتقاطع هذا التعريف مع ما ذهب إليه "ابن خلدون" من أن اللغة "ملكة في اللسان للعبارة عن المعاني. وهي في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم".

 

ونسجل على هذين التعريفين أنهما قد عنيا بالجانب الفيزيقي ـ أصوات ـ وبالجانب النفسي ـ ملكة في اللسان ـ من أجل تحديد اللغة. ليس هذا فحسب بل عنيا كذلك بما تؤديه اللغة من وظيفة تعبيرية عن المعاني والأغراض.

 

إن الحديث عن كون اللغة: "ملكة" يضعنا على مقربة من التعاريف الحديثة للغة في النسق اللغوي الغربي.

 

1-2-اللغة عند الغربيين:

 

تعرف اللغة بكونها عبارة عن "المصطلح الذي يشير إلى العمليات السيكولوجية التي تنظم الكلام، والكلام هو سلوك اللغة، وتتمثل أهم خاصيتين تستلزمهما في كونها: رمزية ومنظمة."[1]

 

ويلح "إميل بنفنست" على الوظيفة التعبيرية التي صادفناها عند اللغويين القدماء في تعريفه للغة،يقول: اللغة: "هي التعبير الرمزي بامتياز"[2].

 

بقي أن نشير هنا إلى أن تعاريف اللغة متعددة ومتنوعة لا يتسع السياق هنا لنورد طائفة أخرى منها ويكفي أن نشير إلى أن مظان الدراسات اللغوية ملءى بها.

 

3.1 ـ طبيعة اللغة:

 

يوضح "إ.بنفنست"طبيعة اللغة في معرض تعريفه لها حيث يقول: "اللغة نظام رمزي خاص، منتظم على صعيدين: فهي من جهة واقعة فيزيائية إذ إنها تستخدم الجهاز الصوتي لتظهر، والجهاز السمعي لتدرك، ومن هذا الجانب المادي فهي قابلة للملاحظة والوصف والتسجيل، وهي من جهة أخرى بنية لا مادية وإيصال لمدلولات معوضة للأحداث والتجارب بالإشارة إليها، تلك هي اللغة: كيان ذو وجهين" [3].

 

إن هذه الطبيعة المزدوجة: (النفسية، الفزيائية) ـ والتي هي السر في اختيارنا لنصي "الشيرازي" وابن خلدون ـ هي التي ستشكل العمود الفقري لهذا البحث. بعبارة أخرى، ستشكل هذه الطبيعة المزدوجة الخيط الرابط بين علم اللغة: (الجانب الفزيائي) وعلم النفس : (الجانب النفسي).

 

يجدر بنا قبل أن نختم هذا المحور المتعلق بطبيعة اللغة، أن نتساءل عن طبيعة العلاقة التي تجمع اللفظ: (الجانب المادي الفزيائي) بمعناه: (الجانب المجرد النفسي).

 

وقد اختلف في هذه النقطة منذ العهد اليوناني، فقد زعم "قراطيلوس "أن هناك بالنسبة لكل شيء اسما منسوبا إليه بصورة طبيعية، وأن هذا الاسم ليس اسما أضفاه عليه بعض الناس بواسطة اتفاق(...) ولكن الطبيعة هي التي أضفت على الأسماء معنى خاصا، هو نفس الاسم لدى الاغريق ولدى البرابرة"[4]، أما "هيرموجين" فيخالف "قراطيلوس" الرأي، يقول: "لا أستطيع أن أقتنع بأن صواب الاسم شيء آخر غير التواضع والاتفاق".

 

ويؤكد أفلاطون في محاورة "قراطيلوس" التي أخذ منها النص السابق أن للألفاظ معنى لازما يتصل بطبيعتها الذاتية، فالكلمات عنده تتطابق ومسمياتها "الخارجية" التي تدل عليها، بينما يرى "أرسطو" أن العلاقة بين اللفظ والمعنى اصطلاح ناجم عن اتفاق أو تراض بين البشر.

 

أما عند العرب القدماء، فتتداخل قضية اللفظ والمعنى بقضية أخرى لا تقل أهمية عما نحن بصدد مناقشته هاهنا، إنها قضية أصل اللغة.

 

1ـ4ـ أصل اللغة

 

1ـ-4-1ـ عند العرب

 

انقسم اللغويون العرب القدماء شيعا في معرض حديثهم عن أصل اللغة، ففريق يرى أنها وقف من الله تعالى، ودليلهم في ذلك قوله عز وجل: "وعلم آدم الأسماء كلها"[5]. وممن ذهب هذا المذهب "أبو الحسن الأشعري" وتلاميذه وجمهرة من المسلمين، وبذلك تدل الألفاظ على المعاني بوضع الله تعالى. ويرى الفريق الثاني أنها تدل على المعاني بوضع الناس، ومن هذا الفريق: المعتزلة الذين يستندون إلى مفاهيم حول الذات الإلهية، ونفي الجارحة عنه عز وجل. 

 

ويوجد فريق آخر يرى أن الألفاظ تدل على المعاني بذواتها، وصاحب هذا الرأي هو "عباد بن سليمان الصيمري". وهذا شبيه بالمذهب الطبيعي القائل بأن الألفاظ تدل بطبيعتها على مسمياتها. ويعتقد ابن جني أن أصل الوضع في اللغة يكون بالاتفاق بين واضعين أول ثم يشيع اللفظ بين الناس شيئا فشيئا إلى أن يعمم. يقول ابن جني في هذا الصدد: "ثم لنعد فلنقل في الاعتلال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحيا وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لابد فيه من المواضعة، قالوا: وذلك كأن يجتمع حكيمان، أو ثلاثة فصاعدا فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات، فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظا، إذا ذكر عرف به ما مسماه، وليمتاز من غيره وليغني بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين"[6].

 

ويشيع المصطلح بأن يستعمل السامع ذلك اللفظ بعينه عندما يخاطب المنشي الأول لتلك اللفظة، ويكون السامع الأول قد احتذى بذلك فيقع به فيكونان قد اصطلحا وتوطآ على تلك اللفظة فيخاطبان بها غيرهما إلى أن تشيع عند جماعة"[7].

 

1 ـ 4 ـ 2ـ عند الغربيين:

 

لعلنا نصادف جانبا من التشابه يجمع بين الثقافتين العربية والغربية في تصور أصل اللغة؛ فنجد في "العهد القديم"مثلا الإله قد "منح الإنسان الأول السيطرة على العالم عندما منحه حرية تسمية الكائنات حسب رغبته (...) لقد شكل البحث عن أصل اللغة في طبيعة الإنسان عوض الرجوع إلى قصة الخلق خطوة عملاقة إلى الإمام"[8]

 

يوضح هذا النص "الغاداميري" جانبا آخر من قضية أصل اللغة، فهو إذ يورد قصة الخلق يبين قصورها عن توضيح حقيقة أصل اللغة.هذه الأخيرة لن نفهمها إلا إذا بحثنا في طبيعة الإنسان من جانب، وطبيعة اللغة من جانب آخر، وهذا ما يبينه "غادامير" حين يقول: "إن طبيعة اللغة تلغي فكرة وجود حالة بدائية لإنسان لا يملك اللغة وبالتالي تلغي مسألة أصل اللغة"[9].

 

وتشكل طبيعة الإنسان وطبيعة اللغة مبحثين هامين من مباحث علم اللغة النفسي، بل قد تشكلان المبحثين المركزيين داخل هذا العلم. وهذا ما سيناط به البحث في ما سيأتي.

 

الفصل الثاني: في علم اللغة

 

2 ـ1 ـ التعريف:

 

يكاد يحصل شبه إجماع بين اللغويين على أن علم اللغة هو الدراسة العلمية للغة. وهذا هو بالضبط ما نستشفه من عبارة دوسوسير "دراسة اللغة في ذاتها ولحد ذاتها"

 

ويهتم علم اللغة بدراسة العبارات اللغوية المنطوقة عند صدورها من الجهاز الصوتي لدى المتحدث وأثناء مرورها في الهواء وعند تلقي الجهاز السمعي للمخاطب لها.. وهكذا يهتم اللغويون باللغة عند صدورها، بمعنى تلك الظاهرة الصوتية التي تصدر عن المتحدث وتتخذ شكل موجات صوتية فتصل المتلقي وذلك هو مجال البحث في علم اللغة[10].

 

ويعتبر علم اللغة علما حديثا نسبيا يرمي إلى دراسة اللغة دراسة موضوعية ووصفية. غير أن تعاقب النماذج اللسانية جعل موضوع هذا العلم يتغير. لكن.. كيف ظهر هذا العلم؟ وما هي الأشواط التي قطعها قبل الاستقرار في صورته الحالية؟ هذا ما سنبينه في المحور الموالي.

 

2 ـ 2 ـ الظهور:

 

كتب "بلومفيلد" سنة 1924 عرضا عن كتاب "دروس في اللسانيات العامة" لصاحبه "دوسوسير" قائلا عن هذا الأخير: "لقد أمدنا بالأساس المنهجي لعلم اللغة الإنسانية". ويظهر من هذا القول المأخوذ من أحد عروض بلومفيلد، أن الأساس المنهجي لعلم اللغة لم يتحدد إلا مع مجيء "فرديناند دي سوسير" ولذا اعتبر الكثير من الباحثين اللغويين "سوسير" جد اللسانيات الحديثة.

 

حدد "سوسير" مراحل ثلاث قطعها التفكير في الظاهرة اللغوية قبل الاستقرار في نموذج اللسانيات الحديثة" نختصرها كما يلي:

 

أ ـ النحو: كان قائما على المنطوق، وخاليا من أية نظرة علمية، وغير منشغل باللسان ذاته. لقد كان ذا خلفية معيارية تميز المتواليات الخاطئة (لا يهتم بملاحظة الظاهرة أو وصفها أو تفسيرها).

 

ب ـ الفيلولوجيا: وتهدف إلى تحقيق النصوص والتعليق عليها وتهتم كذلك بتاريخ الأدب وبالتقاليد والمؤسسات. وتسعى الفيلولوجيا كذلك إلى تحقيق مقارنة بين نصوص حقب مختلفة، وتحديد اللغة الخاصة بكل مؤلف.

 

ج ـ  النحو المقارن أو الفيلولوجيا المقارنة:

 

برز هذا الاتجاه باكتشاف إمكانية مقارنة الألسنة فيما بينها. وفي هذا الإطار اعتقد « Franz Bopp » أن من الممكن أن تشكل العلاقات بين الألسنة المتقاربة مادة لعلم مستقل. فعملية تسليط الضوء على لسان بواسطة لسان آخر لم يسبق لها أن تحققت من قبل.

 

ولم يتساءل النحو المقارن عن الجدوى من هذا التقريب بين الألسنة أو عن دلالات العلاقات التي يكشف عنها، ومعنى ذلك أنه كان مقارنا لا غير[11]، وهذه الحقيقة جعلته قاصرا في مقاربة الظاهرة اللغوية، وبالتالي مهدت الطريق لعلم جديد يجعل من اللسان موضوعه الأساس.

2 ـ 3 ـ علم اللغة: الموضوع والأهداف العامة.

 

مر بنا في الفقرات السالفة أن علم اللغة يهدف إلى دراسة اللغة دراسة موضوعية ووصفية. وقد جعل سوسير من اللسان موضوعا أساسا في الدراسات اللغوية. ويهتم علم اللغة (أو اللسانيات) بالبنية اللغوية في منأى عن أية معطيات خارج ـ لسانية. وهو بهذا المعنى يقصي جوانب أخرى منها: الجانب الاجتماعي والجانب الثقافي... من المشاركة في تكوين الظاهرة اللغوية. لقد ظل علم اللغة على عهد "سوسير" حبيس وصفيته، فلم يرتق إلى مستوى التفسير.

 

وأخيرا.. جاء "نوام تشومسكي". فكان لمجيئه بالغ الأثر في الارتقاء بالنموذج اللساني إلى مراتب أعلى في مقاربة الظواهر اللغوية. ولم يهتم "تشومسكي" كما هو الحال مع "سوسير" بجمع اللغة من أفواه متكلميها، بل سعى إلى تفسير كيف تولد هذه اللغة. لقد اهتم بوصف قدرة المستمع المتكلم المثالي على إنتاج وفهم المتواليات الصوتية، والحكم عليها بالانتماء ـ أو عدمه ـ لنسقه اللغوي. ولنا وقفة مستفيضة مع نموذج تشومسكي كونه يشكل حلقة الوصل الرئيسية التي ربطت بين علم اللغة وعلم النفس مشرعة بذلك لميلاد علم جديد سمي "اللسانيات النفسية".

 

وقد برزت نماذج مختلفة في المرحلة الواقعة ما بين المرحلتين: "السوسيرية والتوليدية" لا يتسع المجال للخوض فيها، بيد أنها تستند في مجملها على الأسس المنهجية التي وضعها "سوسير" ،ونذكر منها هنا: "المدرسة السلوكية" التي يرجع الفضل في إنشائها إلى تعاليم "بلومفيلد"، وقد اهتمت بتحديد السلوك الإنساني ـ ومنه اللغوي ـ القائم على ثنائية: المثير ـ الاستجابة. ويمثل السلوكيون لذلك بقصة "جيل وجاك"[12].

 

أما في الآونة الأخيرة، فقد اشتهرت "المدرسة الوظيفية". وموضوعها هو  القدرة التواصلية، وهي في ذلك مخالفة "للمدرسة التوليدية" التي جعلت من الوظيفة الأساسية للغة ـ إن وجدت ـ هي التعبير عن الفكر، وبالتالي جعلت اللغة داخلة  في مباحث علم النفس. يقول د. جمعة سيد يوسف في هذا الصدد: "وإذا كان البعض يعتبر اللغة هي التعبير عن الفكر فإنه في هذه الحالة يمكن اعتبار اللغة جزءا من علم النفس"[13].

 

الفصل الثالث: الجانب السيكولوجي للدلالة اللغوية:

 

ظهر في الفترات المتأخرة من القرن الماضي علم خاص تفرع من علم اللغة العام وعني بالدلالة. وسمي هذا العلم "علم الدلالة" أو علم المعنى، semmantique) la) وقد أعطيت له عدة تعاريف نذكر منها:

 

ـ العلم الذي يدرس المعنى أو الدلالات في اللغات الإنسانية".

 

ـ هو ذلك الفرع من علم اللغة الذي يتناول مدلولات المفردات في اللغات البشرية، تزامنيا أو تعاقبيا أو تعالقيا.

 

ـ ولقد أبلغ القدماء في تعريفهم للدلالة حين جعلوها. "فهم أمر من أمر"[14].

 

إن قضية الفهم هنا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالجانب السيكولوجي. وهذا ما يوضحه ذ. الغالي أحرشاو في احدى مقالاته، يقول: "يجوز القول بأن للدلالة اللغوية مكانها داخل حقل النشاطات السيكولوجية الأخرى: الإدراكية ـ الحركية ـ الخيالية ـ التذكيرية ـ الثقافية... إلخ"[15] وسنحاول في هذا الفصل أن نبين فهم كل من العرب القدماء واللغويين الغربيين للجانب السيكولوجي للدلالة اللغوية.

 

3 ـ 1 ـ مظاهر الفهم السيكولوجي للدلالة اللغوية عند العرب.

 

لاشك أن حديثنا في محور سابق عن علاقة الألفاظ بمسمياتها (بمعانيها) يصب في وجود مظاهر فهم سيكولوجي للدلالة اللغوية، بيد أننا سنحطوا خطوة أكثر جرأة في هذا المحور لتعميق الاعتقاد بأن العرب القدماء كان لديهم فهم سيكولوجي لمسألة  الدلالة اللغوية.

 

جاء في "المزهر" للسيوطي التساؤل التالي: هل هذه الألفاظ موضوعة بإزاء الصور الذهنية فكان رد السيوطي  كمايلي: "ذهب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي إلى الثاني [أي بإزاء الماهيات الخارجية] وهو المختار. وذهب الإمام فخر الدين وأتباعه إلى الأول [الصور الذهنية] واستدلوا عليه بأن اللفظ يتغير بحسب تغير الصورة في الذهن. فإن من رأى شبحا من بعيد وظنه حجرا أطلق عليه لفظ الحجر، فإن دنا منه وظنه شجرا أطلق عليه لفظ الشجر [...] فإذا تحقق من أنه إنسان أطلق عليه لفظ الإنسان، فبان بهذا أن إطلاق اللفظ دائر مع المعاني الذهنية دون الخارجية، فدل على أن اللفظ للمعنى الذهني لا الخارجي"[16].

 

ويتحدث الغزالي في "معيار العلم" عن الجانب السيكولوجي للدلالة اللغوية، يقول: "إن للشيء وجودا في الأعيان وفي الأذهان ثم في الألفاظ ثم في الكتابة. فالكتابة دالة على اللفظ واللفظ دال على المعنى الذي في النفس [...] فما لم يكن للشيء ثبوت في نفسه لم يرتسم في النفس مثاله"[17].

 

3 ـ 1 ـ 1  أنواع الدلالات اللفظية :

 

أ ـ الدلالة الوضعية:

 

وهي الدلالة التي تتم بالوضع والاتفاق والاصطلاح، وتقسم هذه الدلالة إلى دلالة مطابقة ،ودلالة تضمن، ثم دلالة التزام. يقول الغزالي: "إن دلالة اللفظ على المعنى تنحصر في ثلاثة أوجه، وهي المطابقة والتضمن والاتزام، فإن لفظ البيت يدل على معنى البيت بطريق المطابقة، ويدل على السقف وحده بطريق التضمن (...) وأما طريق الالتزام فهو كدلالة لفظ السقف على الحائط"[18].

 

ب ـ الدلالة العقلية:

 

يظهر الجانب السيكولوجي جليا أكثر في هذه الدلالة. ويعرف "محمد على التهانوني" هذه الدلالة بكونها: "دلالة يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة ذاتية ينتقل لأجلها منه إليه، والمطلوب بالعلاقة الذاتية، استلزام تحقق الدال في نفس الأمر تحقق المدلول فيها مطلقا، سواء كان استلزام المعلول للعلة، كاستلزام الدخان للنار أو العكس كاستلزام النار للحرارة، أو استلزام أحد المعلولين للآخر كاستلزام الدخان للحرارة"[19].

 

ج ـ الدلالة الطبيعية:

 

 وتتلخص في المحاكاة الطبيعية كصليل السيوف ومواء القطط... إلخ.

 

لقد بينا في هذا المحور أن العرب القدماء تحدثوا في معرض "كلامهم" عن العلامة اللغوية من جانب سيكولوجي. بقي الآن أن نقتحم ميدان الفهم الحديث لهذه الدلالة.

3 ـ 2 ـ الفهم السيكولوجي للدلالة اللغوية عند الغربيين:

 

3 ـ 2 ـ 1 ـ سوسير

 

سننطلق في حديثنا عن الجانب السيكولوجي للدلالة اللغوية من اقتراحات "فرديناند دي سوسير" بخصوص العلامة اللغوية. وقد قسم "سوسير" العلامة اللغوية إلى شقين: الدال والمدلول: إنها وحدة نفسية بوجهين وثيقي الارتباط بعضهما ببعض ويستدعي أحدهما الآخر. إن الرابط بين العنصرين هو ما يشكل العلامة"[20].

 

 

 

إن سوسير يرفض الفكرة القائلة بأن اللغة مدونة، بمعنى أنها ليست قائمة من الأسماء تقابل أشياء في العالم الخارجي. ويرى سوسير أن الأصح أن نقول أن العلامة تجمع بين صورة سمعية وتصور ذهني .وهنا يظهرجليا الجانب السيكولوجي للعلامة اللغوية؛ فالصورة السمعية لا يقصد بها المتوالية الصوتية في جانبها المادي، بل المقصود هو البصمة النفسية التي تخلفها هذه المتوالية.

 

 

 

إن الدال عند سوسير كيان "نفسي وليس ماديا؛ فنحن لا نحتاج إلى استحضار الجزء المادي في تعريفه. إن آلة الصوت لا تحدد مضمون الصوت. من هنا فإنه البصمة النفسية التي تلتقطها أذن المتلقي، ويقوم بتشكيلها فم الباث، إنه نفسي "فنحن نستطيع أن نتحدث إلى أنفسنا أو نستظهر مسرحية أو قصيدة شعرية دون تحريك الشفاه"[21].

 

 

 


ويمكن أن نعطي هذا الرسم التقريبي لطبيعة العلامة اللغوية عند سوسير:

 

 

 

يقصي "سوسير" الجانب المادي من الدراسة، فهو يبعد المرجع ولا يدخله في حساباته، فعندما نكون بصدد الحديث عن "بقرة" مثلا لا نحتاج إلى إحضارها إلى مرآة العين ليعرف السامع أننا نتحدث عن بقرة، فكل شخص سليم يكون تصورا ذهنيا ـ سيكولوجيا ـ عن أشياء الواقع المادي ومعانيه.

 

 

 

3 ـ 2 ـ 2 ـ  تودوروف:

 

 

 

ينضاف إلى ما سبق أن "تزفيتان تودوروف" أثناء حديثه عن العلامة والرمز اللسانيين أعطى للعلامة ذلك البعد السيكولوجي يقول: "كل ربط بين شيئين أحدهما حاضر في حين أن الآخر يمكن أن يكون غائبا، والذي هو ربط قار بحيث يجعل بعض الذوات تتصور الشيء الثاني في حالة غياب الشيء الأول، يمكن أن يسمى استحضارا.. فالمقطع الصوتي: "تفاحة" يستحضر لدى المتكلمين بالعربية معنى تفاحة، والصليب الأخضر على واجهة متجر يدل على وجود صيدلية مفتوحة إذا كان الصليب مضاء"[22] .

 

 

 

يرتقي "تودوروف" في هذا النص من العلامة اللغوية اللفظية إلى الرمز. فهو يتحدث عن "الصليب الأخضر" الذي يشكل رمزا. وهذا الأخير يحدث شأنه في ذلك شأن اللفظ اللغوي نشاطا سيكولوجيا لدى المتلقي.

 

 

 

وقد أحدث "ش.س بورس" ثورة عظمى في ميدان السيميائيات. ويذكر هنا أن "فرديناند دي سوسير" كان أول من نبأ بميلاد علم جديد يدرس العلامات اللغوية وغير اللغوية في رحم المجتمعات. "والسيميائيات عنده .. لا تنفصل عن المنطق باعتباره القواعد الأساسية للتفكير والحصول على الدلالات المتنوعة"[23].

 

 

 

3 ـ 2 ـ 3 بورس:

 

ويقسم "بورس" العلامة إلى ماثول: (representamen) موضوع (Objet) ومؤول:(Interpretant)  ؛  فالماثول يحيل على الموضوع عبر مؤول. وسلسلة الإحالات هذه هي ما يشكل في نظرية "بورس" ما يطلق عليه السميوز وهو عبارة عن نشاط ترميزي يقود إلى إنتاج الدلالة وتداولها. هذا النشاط الترميزي يستند على مرجعية سيكولوجية، فالماثول الذي يعرفه "بورس" بكونه شيئا ما يعوض بالنسبة لشخص ما شيئا ما بأية صفة وبأية طريقة، له طابع سيكولوجي كونه يعوض شيئا آخر فيخلق بصمة نفسية عند الإنسان وكذلك الشأن بالنسبة للموؤل فهو: "التصور الذهني العام الذي نملكه عن الشيء الموجود في العالم الخارجي"[24].

 

3 ـ 2 ـ 4 ـ" هلمسلف":

 

ويقسم لساني آخر هو "هلمسلف" المادة اللغوية إلى تعبير: (expression) ومحتوى :(content) "ويرى أن من الضروري التمييز بين جانبين من المحتوى هما المادة والشكل، فمادة المحتوى يعنى بها الواقع الحي في ذاته (الأشياء والبشر ومجمل العالم من حولنا). وشكل المحتوى يعني به التصور النفسي لمادة المحتوى، أي كيف نستقبل ونتصور الواقع الحي من حولنا. ومادة التعبير هي الجانب الصوتي الفيزيائي من اللغة. أما شكل التعبير: فهو التصور النفسي لمادة التعبير. أي كيف نستقبل ونتصور العلامة اللغوية في عملية التواصل"[25]

الباب الثاني: في علم النفس

 

الفصل1: في التعريف بعلم النفس :

 

1-1- التعريف :

 

قدمت تعاريف كثيرة لعلم النفس منذ العهد اليوناني، ويعتبر هذا العلم علما  ضاربا في أعماق الفلسفة والفسيولوجيا، كما ترجع أصول التسمية إلى اللغة اليونانية، فكملة "Psychologie" مأخوذة من اليونانية من" Psyche" وتعني  الروح  (soul eng:) أما كلمة لوغوس: "Logos" فتعني العلم، وهكذا نحصل عن طريق الجمع بين  كلا الجذرين على المصطلح"علم النفس".

 

إنه العلم الذي يدرس النفـس البشرية في مختلف حالاتها، وإلى غاية القرن السادس عشر (ق16) لم يحدث  تطور كبير في تعريف هذا العلم، فقد ظل يعني: العلم الذي يدرس الروح، او يدرس العقل.

 

وقد تم تعريفه كذلك بأنه:" الدراسة العلمية للسلوك الحيواني والإنساني وهو يغطي كل صور الدراسة وأساليبها ابتداءا من إسالة لعاب الكلب عندما يسمع صوت أحد الأجراس، إلى ارتقاء السلوك الذكي لدى الانسان"[26] .

 

والملاحظ على هذا التعريف اقحام مجالات جديدة للدراسة ، فقد اتسع مجاله ليدرس السلوك الحيواني والسلوك الذكي لدى الإنسان. فكثير من التعاريف تجعل علم النفس منوطا بدراسة السلوكات الذكية لدى بعض الآلات المتطورة، وذلك راجع إلى الثورة التكنولوجية والمعلوماتية.

 

أما في الآونة الأخيرة، فقد عني علم النفس بالدارسة الأكاديمية و التطبيقية للسلوك والإدراك والآليات المستنبطة لهما.

 

ويشير المصطلح كذلك إلى تطبيق جملة من المعارف والآليات على مجالات مختلفة من النشاط الانساني بما فيها مشاكل الأفراد في الحياة اليومية ومعالجة الأمراض العقلية. علم النفس باختصار شديد هو الدراسة العلمية للسلوك  والعقل والتفكير والشخصية. إنه دراسة علمية لسلوكات الكائنات الحية خصوصا الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به.

 

1-2-مراحل النشأة:

 

عاش علم النفس فترة طويلة من الزمن في أحضان الفلسفة، فقد ناقش فلاسفة الإغريق قضايا نعتبرها ذات صلة وثيقة بعلم النفس كما هو  في وقتنا الحاضر، غير أن الأخير لم يلبث أن استقل بمنظومته المنهجية والموضوعاتية، فانفصل بذلك عما هو عقلي تأملي إلى ما هو أكاديمي تطبيقي، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن علم النفس، منذ أن كان" مرتبطا" بالفلسفة ناقش اللغة وقضاياها، وهذا يعني أن مناقشتنا لمسائل ذات صلة باللغة في هذا المحور لن يكون خرقا للإطار المنهجي الذي يفترض بنا احترامه.

 

ويحدد الدكتور:" عبد الستار ابراهيم" في كتابه:" الإنسان وعلم النفس" (سلسلة عالم المعرفة) ثلاث مراحل كبرى في تاريخ علم النفس، نحاول اختصارها كما يلي:

 

1-2-1-المرحلة1: كانت هذه المرحلة مرحلة نفسية تأملية عرفت اختلاط مواضيع علم النفس بالفلسفة، فقد درس فلاسفة اليونان:(سقراط، افلاطون، ارسطو....) مواضيع على صلة بالجوانب النفسية كالشخصية، والعقل، والفكر، واللغة،...وإلى هذه المدرسة الفلسفية يعزى ابتكار مفهوم  النفس (Psyche).

 

1-2-2-المرحلة2: عرفت هذه المرحلة انفكاك علم النفس عقليا عن اللاهوت والفلسفة وصار مرتبطا بعلم  وظائف الأعضاء، او ما يعرف بالفسيولوجيا.

 

1-2-3-المرحلة 3: برز علم النفس في هذه المرحلة باعتباره علما مستقلا بذاته وبمنظومته المنهجية، إنها مرحلة ولادة علم النفس الحديث.

 

ويعد علم النفس من  العلوم الحديثة التي أدخلت أول مرة إلى المختبرات سنة 1979 على يد "وليم فونت" هذا الأخير استخدم طريقة الاستبطان أو التأمل الذاتي لحل المشكلات والكشف عن الخبرات الشعورية وقد أطلق فونت عليه" علم دراسة الخبرة الشعورية" ،ولذا يعد وليم فونت "مؤسس علم النفس بما أنه قد أسس ما سمي آنذاك بالمدرسة البنائية"، وهي أول مدرسة تتبنى علم النفس في شكله الحديث.

 

الفصل 2:  فروع علم النفس وموضوعاته:

 

تم تقسيم موضوعات علم النفس إلى قسمين كبيرين:[27]

 

 

 

أ-الموضوعات الأساسية والأكاديمية

 

 

 

ب- الموضوعات التطبيقية

 

2-1 تندرج ضمن الطائفة الأولى جملة اتجاهات نذكر منها:

 

ـ علم النفس العام أو التجريبي: وهو الذي يصوغ قوانين السلوك كما يخضع ويتأثر بمجموعة من المنبهات الصادرة من البيئة الخارجية الفيزيقية.

 

ـ علم النفس الإرتقائي: أو ما يعرف أحيانا بعلم نفس النمو"وهو الذي يهتم بدراسة السلوك كما يتأثر بالعوامل المتعلقة بالنضوج اللغوي والنمو في مراحل مختلفة عبر مراحل الحياة المختلفة من طفولة إلى مراهقة إلى رشد وشباب وشيخوخة ويشكل ميدانا واسعا للإهتمام حيث يتم فيه دراسة ارتقاء خصال الأطفال جسميا وانفعاليا وعقليا منذ  ما قبل الولادة إلى ما بعدها"[28]

 

ـ علم النفس الفسيولوجي: يهتم بدراسة السلوك كما يتأثر بالمنبهات العضوية الداخلية للفرد والعلاقات بينها، وذلك كتأثير افرازات الغدد أو نشاط الجهاز العصبي، أو مراكز المخ "ويفضل بعض السيكولوجيين الاهتمام بدراسة علم النفس الفسيولوجي لكل من الحيوان والإنسان وذلك لدراسة آثار  البنية البدنية  على السلوك"[29].

 

ـ علم النفس الاجتماعي: وهو الذي يصوغ قوانين السلوك في علاقتها بالمنبهات والمواقف الإجتماعية أو الحضارية على الفرد، إنه يدرس بتعبير "دينيس تشليد" أثر المؤسسات الاجتماعية على سلوك الأفراد مع التركيز على المؤسسات الخارجية  التي تؤثر في الإنسان،في حين يهتم علماء النفس الفسيولوجيين بالعوامل الداخلية التي تؤثر في السلوك"[30] 

 

ـ علم نفس الشخصية: فرع يولي اهتمامه بصياغة القوانين الرئيسية للسلوك كما يتأثر بالسمات الشخصية أو الدوافع الخاصة للأفراد واستعداداتهم المزاجية وأساليبهم في المعرفة والتفكير[31].

 

2-2- أما الطائفة الثانية المتعلقة بالمجال التطبيقي فتندرج ضمنها أربعة ميادين اساسية هي:

 

ـ علم النفس الإكلينكي: يولي اهتماماته لتطبيق علم النفس الأكاديمي في مجال اضطربات السلوك تشخيصا وعلاجا.

 

ـ علم النضج التربوي:  يعنى  بتطبيق القوانين الأساسية في مجال الكفاءة التربوية والتعليمية والمساعدة على التحضير الدراسي الجيد.  

 

ـ علم النفس الحربي: له علاقة مباشرة بالكفاءة القتالية ويعنى بالتطبيقات النفسية على الكفاءة القتالية والروح المعنوية للجنود.

 

ـ علم النفس الصناعي والإداري : يطبق هذا الفرع قوانين علم النفس في ميادين الصناعة والإنتاج.

 

وإذا كانت فروع علم النفس موزعة على ميادين مختلفة ومتنوعة، فإن المدارس التي خاضت في هذه الفروع  وموضوعاتها متنوعة ومختلفة بدورها،  وقد حاول احد الباحثين، وهو"عبد المنعم الحفني" إحصاء هذه المدارس في كتاب يحمل عنوان" " موسوعة مدارس علم النفس" ونذكر من بين هذه  المدارس على سبيل المثال لا الحصر:

 

* مدرسة البورت رويال             * المدرسة الأيونية

 

* المدرسة الأبيقورية                 * المدرسة البنائية

 

* مدرسة أثيان                       * مدرسة التحليل النفسي الحديث

 

* مدرسة إخوان الصفا               * المدرسة الوظيفية

 

ويذكر هنا أن عدد المدارس التي ذكرها الباحث بلغت حوالي اثنين وأربعين مدرسة، كل واحدة منها تستقل بطريقة منهجية محددة بصرامة ودقة، وقد ضاق المجال عن الخوض فيها جميعها.

 

اما من حيث المنهج المتبع" فيوجد فرق جوهري بين منهج  اللغويين وعلماء النفس بالنسبة إلى الظواهر اللغوية، حيث يتجه  علماء النفس إلى اكتشاف قوانين عامة تفسر السلوك الإنساني، من خلال دراسة الظواهر العامة مثل التعلم والإدراك والقدرات"[32] أضف إلى ذلك أن كل مدرسة تحاول الاستقلال بمنهج خاص بها يختلف عن المناهج المتعبعة في باقي المدارس.

 

وبما أننا نشتغل في إطار اللسانيات النفسية فإنه من المفيد أن نتناول مثالا على مدرسة نفسية اشتغلت بقضايا اللغة ومشكلاتها، وسنحاول أن نجعل من المدرسة السلوكية هذا المثال الذي سيكون مدخلا أوليا للسانيات النفسية.

 

الفصل3: السلوكية في علم النفس:

 

3-1-التعريف:

 

يعرف جون واطسون( 1958-1875) السلوكية بأنها توجه نظري قائم على مبدأ أساسي قوامه أن علم النفس ينبغي عليه أن يدرس السلوك القابل للملاحظة، وقد اقترح "واطسون" على علماء النفس سنة 1913، أن يتركوا للأبد دراسة الوعي والتركيز فقط على السلوكيات التي يمكننا ملاحظتها مباشرة وقد تمسك بهذا الرأي بناء على اقتناعه بأن الإبداعات العلمية يمكن إما فحصها أو رفضها.

 

ويعتبر" واطسون " المؤسس الحقيقي لهذا الاتجاه من علم النفس، وقد كان ذلك إثر انتقاده لمدرستين سابقتين هما:"المدرسة البنائية" مع"فونت" والمدرسة الوظيفية مع" وليم جيمس".

 

فأما المدرسة الأولى ـالبنائيةـ فقد اعتمدت على الاستبطان للتعرف على مشكلات الشخص عن طريقه هونفسه، وانتقد هذه المدرسة بشكل كبير لأن أسلوب الاستبطان يعكس وجهة نظر الشخص المدروس.

 

وأما المدرسة الثانية-الوظيفية- فقد نهضت على أساس دراسة الوظائف التي يؤديها الدماغ في علاقة مع تقسيماته العضوية؛ فمثلا المنطقة الجبهية تتم فيها عمليات التفكير والتخييل والكلام والكتابة والحركة ...وهكذا.

 

وإذا كان من الواجب على علم النفس أن يحتل مكانة هامة بين باقي العلوم فعليه-حسب واطسون- أن يبتعد عن دراسة كل ما لا يمكن رؤيته أو ما كان افتراضا.

 

 ويدخل ضمن هذا النطاق: العقل، الذكاء، والتفكير...إلخ وذلك لكونها افتراضات لا يمكن إثباتها علميا، وبناء على ذلك نادى" واطسون" بوجوب دراسة "السلوك الظاهر".

 

ويرجع الفضل في التطور الحاصل في ميدان علم النفس إلى العالم "فونـت" ( Wundt) الذي أدخل كلا من الإنسان والحيوان إلى ميدان الدراسات المخبرية.

 

وكان ذلك بفضل تأسيسه (سنة 1879) للمعمل النفسي (المختبر النفسي) في ألمانيا وكانت هذه الخطوة " بداية  لمواجهة أكثر موضوعية في دراسة سلوك الحيوان والإنسان  على السواء، وقد توفر لهذه البداية من قوة الدفع ما مكنها  من أن تكون ركيزة راسخة لعلم النفس، فقد حدث أن اتجه اهتمام " بافلوف" في روسيا"وواطسن" وثورندايك ( thorndike) في أمريكا إلى الدراسة التي تكشف عن كيف تسلك الحيوانات او كيف يسلك الإنسان في ظل ظروف معلمية معينة"[33].

 

3-2-ثنائية المثيرـ الإستجابة

 

الواقع أن دراسة السلوك الإنساني أو الحيواني تقتضي كذلك دراسة المثير الذي يؤدي إلى هذا السلوك، وعليه فقد احتلت ثنائية: المثيرـ الاستجابة مكانة أساسية  داخل النظرية السلوكية . فقد أجرى السلوكيون جملة من التجارب  باستخدام القطط والكلاب والدجاج لمعرفة تأثير بعض المثيرات على السلوك الحيواني.

 

كما أعطيت أهمية  بالغة للتجارب التي قام بها بافلوف (1849-1936) ذلك أنه"من الصعب عرض الموقف السلوكي الراهن دون الإشارة إلى البحوث الفسيولوجية التي قام بها هذا العالم"[34].

 

ويمكن تلخيص نظرية "التشريط  الكلاسيكي" (classical conditioning) التي صاغها " بافلوف" في الخطاطة التالية الواردة  في كتاب دينبس تشليد[35]

 

 

 

 مسحوق اللحم            اللعاب

 

 

 

(مثير غير شرطي)                     (استجابة غير شرطية أو طبيعة )

 

 

 

صوت الشوكة الرنانة       جذب الانتباه في البداية   

 

                   اللعاب

 

 

 

(مثير شرطي )                       (استجابة منعكسة شرطية)

 

فالمثير غير الشرطي أو الطبيعي هنا هو مسحوق اللحم، أما صوت الشوكة الرنانة فهو المثير الشرطي لأنه يؤدي إلى الاستجابة الشرطية، أي ان افراز اللعاب مرهون باستمرار تقديم اللحم من وقت لآخر.

 

هذا وقد أدخلت ثنائية المثير –الاستجابة إلى فعل الدراسات اللغوية على يد ليونارد بلومفليد، وإليه ترجع بداية العلاقة الاقتضائية بين مباحث علم النفس ومباحث علم اللغة. 

 

 

 

فقد أدخل مبادئ علم النفس التي  كانت مسيطرة في عصره في دراسة اللغة، ففي ذلك الوقت كانت الهيمنة للاتجاه  السلوكي الذي يذهب  في خطوطه العامة إلى أن التعلم يكون من خلال تعزيز استجابة معينة إزاء مثير معين، وهو ما يرجع الفضل فيه إلى بافلوف وواطسن[36]

 

 

 

يسوق " بلومفليد" في كتابه :" اللغة" (langage) قصة للشابين" جيل" و " جاك" وقد توخى بها تحليل الحدث الكلامي، يقول:" هب ان جاك و جيل" يتنزهان في طريق ما، وأن "جيل" جائعة وتشاهد تفاحة على الشجرة وتحدث ضوضاء بواسطة حنجرتها ولسانها وشفتيها ويجتاز"جاك" السياج ويتسلق الشجرة، ويأخذ التفاحة، ويعطيها لجيل فتضعها في يدها وتأكلها"[37] .

 

 

 

يقسم بلومفيلد أحداث هذه القصة إلى ثلاث مراحل:

 

 

 

1 ـ أحداث عملية تسبق الحدث الكلامي (تحيل عليها: النزهة، الإحساس بالجوع، مشاهدة التفاحة).

 

 

 

2 ـ الكلام (إحداث الضوضاء)

 

3 ـ أحداث عملية تلحق الحدث الكلامي: (اجتياز السياج، تسلق الشجرة قطف التفاحة، تقديمها، إمساكها، أكلها).

 

يسمي "بلومفيلد" المرحلة الأولى: المثير بينما يسمي المرحلة الثالثة: الاستجابة، أما المرحلة البينية: الكلام، فهي مرحلة رابطة بين المرحلتين، فلو افترضنا أن "جيل" كانت خجولة مثلا ولم تقم بتركيب مجموعة من الملفوظات اللغوية، فلن تحدث الاستجابة مطلقا. وهذا ما نفهمه من كلام بلومفيلد: "فاللغة تمكن الفرد من عمل تصرف( R) عندما يكون شخص آخر عرضة للمثير(s)"[38].

 

وقد حظيت ثنائية: المثير الاستجابة بمكانة هامة داخل النظرية السلوكية، فلا غرو أن نصادف عالم النفس المشهور ب "ب .ف سكيز" يوظفها بشكل كبير في كتابه "السلوك اللفظي" ويسعى إلى تحليل السلوك اللفظي من منظور وظيفي بغية تحديد المتغيرات التي تضبط هذا السلوك، ووصف كيفية تفاعلها بفرض تحديد الاستجابات اللفظية والتنبؤ بها.

 

3 ـ 3ـ أسباب السلوك اللغوي:

 

يقسم د. "حنفي بنعيسى"[39] ، أسباب السلوك اللغوي إلى أربعة أقسام رئيسية  نحاول اختصارها كما يلي:

 

3ـ3ـ1 الدوافع الملحة: حيث يعتبر الكلام في هذا القسم نتيجة لحاجات ملحة في الحياة اليومية. فمثلا تعتبر حالة الجوع دافعا ملحا لإنشاء إرسالية لفظية هي: "أعطني خبزا" أو "أريد خبزا"... ويرى الباحث أن كثيرا من سلوكنا اللفظي يجري على هذا المنوال ما بين أمر ونهي أو طلب أو ترج أو توسل.

 

3 ـ 3 ـ 2 الحوافز الخارجية: وهي الحالات التي نصنع فيها كلاما بصيغ خبرية لا لنعبر بها عن حاجات ماسة، بل لكي نفيد خبرا فحسب: مثلا: (جاء ساعي البريد) أو لنسجل ملاحظة خاصة بالشروط الخارجية (عن حالة الطقس مثلا).

 

3 ـ 3 ـ 3 ـ الحوافز اللفظية: يكون فيها الكلام استجابة لمثيرات لفظية سابقة، إذ يحدث الكلام للرد على الكلام الملفوظ أو المكتوب، وشبيه بهذا: الاستجابة اللفظية عن المثيرات البصرية. مثلا: الإعلانات الإشهارية والملصقات... حيث تكون الاستجابة برفع الصوت وقراءة ما تراه العين.

 

3 ـ 3 ـ 4 العادات اللفظية: احتلت مجالا واسعا داخل حقل الدراسات السلوكية و "كلام البشر عبارة عن سلاسل تتألف من ألفاظ مترابطة الحلقات و دراسة هذه السلاسل تكشف عن عادات لفظية متأصلة في النفس"[40].

 

فالكلمة الواحدة تثير مجموعة من الاستجابات اللفظية والانفعالية. وقد استخدم باحثان هما "كانط Kent" و "روزانوفا Rosanova" هذه العادات في إجراء تجربة عرفت بإسميهما: كانط ـ روزانوفا" ونأخذ من القائمة التي أنجزاها عينة تمثيلية لنعرف أثر هذه العادات.

 


أمثلة من قائمة كانت ـ روزانوفا مترجمة إلى العربية[41]

 

 

 

 

وتجري التجربة كما يلي: "يجلس المفحوص (Sujet) وقد أدار ظهره لكي لا يرى شيئا من الأدوات المستعان بها... ثم يصدر إليه الفاحص تعليماته قائلا له: المطلوب منك أن تنطق بأول كلمة تخطر لك بالبال بمجرد سماعك للكلمة الحافزة"[42].

 

كما قد نصادف الشخص نفسه يستعمل أثناء حديثه بعض التعابير التي يستوجب أولها آخرها كما يحدث في الأمثال والتعابير المسكوكة. وعموما، نجد أن التعابير التالية: رجع بخفي حنين، حيص بيص، البلد الشقيق... كلها تعابير يقتضي بعضها بعضا في أغلب الاستعمالات.

 

الفصل الرابع: اللغة والفكر:

 

إذا كانت دراسة اللغة تحيلنا على ميدان الدراسات اللغوية، فإن دراسة الفكر ستحيلنا بكل تأكيد على حقل الدراسات النفسية. ومنهجيا كان هذا هو الدافع الذي جعلنا نتطرق لهذه القضية في هذا الفصل بالذات. وتعتبر قضية اللغة والفكر من بين أهم المنابع التي غذت حقل اللسانيات النفسية، فكان لزاما علينا أن نتطرق لها قبل الدخول إلى المحور الموالي.

4 ـ 1 ـ علاقة اللغة بالفكر:

 

هل من الممكن أن نفكر بدون لغة، شغل هذا السؤال تفكير الباحثين النفسيين واللغويين على مدى عهود خلت. والملاحظ أن جل الباحثين في هذا الميدان حدث لهم شبه يقين بأنه لا يمكننا أن نفكر بدون لغة، غير أن هناك من يقول بهذه الإمكانية، أي إمكانية التفكير بدون لغة، وهذا هو الرأي الذي نتبناه في هذا البحث. ولهذا الرأي ما يعضده من الأدلة والأبحاث التي سنعرض لها فيما بعد.

 

سنعرض أولا وجهة نظر الطرف الأول القائل باستحالة الفصل بين اللغة والفكر، ونبين بعد ذلك موقفنا من هذه القضية والمواقف المدعمة له.

 

4 ـ 1ـ1ـ الموقف الأول: 

 

أ ـ انتهى عالم النفس السلوكي "واطسون" إلى أن الفكر هو ذاته اللغة، وبناء على هذا فإن التفكير عبارة عن تناول الكلمات في الذهن، كما نظر إلى كلمات التفكير هذه على أنها عبارة عن حديث داخلي يظهر في الحركات تحت الصوتية لأعضاء الكلام"[43]. ويتضح من خلال هذا الاقتباس أن "واطسون" يجعل العلاقة بين اللغة والفكر علاقة تطابق فلا تفكير بدون لغة ولا لغة بدون تفكير.

 

ب ـ وشبيه بهذا الموقف ما ذهب إليه العالم اللساني "فرديناند دي سوسير" وإن كانت نتائج "سوسير" عن اللغة والفكر تندرج ضمن الإطار اللساني فقد كان لها بالغ الأثر في الميدان النفسي. وسنحاول تلخيص موقف "سوسير" في الفقرة الموالية.

 

يرى "فرديناند دي سوسير" أن اللغة والفكر وجهان لورقة نقدية واحدة؛ إذ يستحيل تمزيق الوجه دون تمزيق الوجه الخلفي للورقة. ويرى أن العلامة اللسانية تتكون من شقين أساسيين. أما الشق الأول فهو الدال وأما الشق الثاني فهو المدلول. فالدال عبارة عن البصمة النفسية التي تحدثها المتوالية الصوتية. والمدلول هو ما يرتسم في الذهن من صور الأشياء الخارجية: (ثور، أخت، كتاب...) ومن انفعالات وقيم: (الحب، الحرية، العدل، الأمومة..) لحظة سماع الدوال المختلفة.

 

ويقوم تصور "سوسير" للعلامة اللسانية على أساس اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول. وهذا هو منتهى كلام سوسير حين قال: "إن العلاقة التي تربط الدال والمدلول علاقة اعتباطية، ومن حيث إننا نعني بالعلامة نتيجة الربط بين الدال والمدلول فإنه يمكن أن نقول بإيجاز وبصورة مبسطة: العلامة اللسانية علامة اعتباطية"[44].

 

وانطلاقا من مبدأ الاعتباطية هذا، يمكن القول أن موقف "سوسير" من ثنائية اللغة ـ الفكر لا يزال إلى يومنا هذا ملتبسا إلى حد بعيد؛ إذ كيف نقول باعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول وبتطابقهما في نفس الوقت. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن لفظ اعتباطي يستدعي الملاحظة التالية: لا يتعين أن يعطي انطباعا بأن الدال والمدلول يتوقف على الاختيار الحر للذات المتكلمة. وسنعود لهذه الملاحظة بعد قليل.

 

وعموما، نقول أن مجمل الآراء التي انضوت تحت مظلة اللسانيات السوسيرية ـالتي كانت تعتبر حديثة وقتها ـ ابتلت بآراء "سوسير"  عن علاقة اللغة بالفكر أقرت جميعها ألا وجود لفكرإلا في شكل لغوي، وألا وجود للغة خالية من مضمون دلالي. (موقف بنفنست ـ مرلوبونتي ـ كريستيفا....إلخ )

4 ـ1ـ2ـ الموقف الثاني:

 

يستند هذا الرأي على ترسانة استدلالية مهمة. وإذا كانت له منابع معرفية متنوعة و مختلفة: الفلسفة، اللسانيات.. إلخ فإنها تجمع كلها على مناقشة الجانب النفسي لهذه الثنائية.

أ ـ يرى "رونيه ديكارت" أن الفكر الذي هو من طبيعة نفسية  يحتاج إلى اللغة  ذات الطبيعة المادية لتخرجه من حالته السديمية إلى حالة جديدة يسهل معها إدراكه. وهذا الموقف شبيه إلى حد بعيد بموقف "برغسون" الذي يرى أن اللغة عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر.

 

وإذا كان "مرلوبونتي" يقول باستحالة كون اللغة تعبيرا عن الفكر[45]، فإن المدرسة التوليدية مع "المجدد": تشومسكي جعلت التعبير عن الفكر الوظيفة الأساس للغة. مما يشي باستقلالية الطرفين عن بعضهما.

 

ب ـ وينتقد "مايكل كورباليس" الرأي القائل بأن التفكير هو كلام داخلي "وهو كذلك أحيانا، ولكن ليس دائما. فهناك طرق للتفكير لا تدين إلا قليلا للغة. فعلى سبيل المثال، نستطيع أن نتخيل أشياء أو مشاهد أو نتلاعب بها في عقولنا. ومن الأمثلة التي خضعت كثيرا للدراسة: التدوير العقلي الذي يتضمن كيف تبدو الأشياء إذا تم تدويرها على مختلف الاتجاهات" [46].

 

وللتمثيل لهذه الفكرة، يسوق صورة لرجل "منقلب على عقبيه مخفيا احدى ذراعيه، أي الذراعين يخفيها: اليسرى أم اليمنى؟ للإجابة عن هذا السؤال قد ترى أن عليك أن تدور الرجل إلى وضع يقف فيه منتصبا على عقبيه، وقد ترى أن تديره حول عقبيه، وهي عمليات لا علاقة لها بالكلمات[47]

 

 

 

 

 

 


 

  

 

 

ويدعم الكاتب رأيه بأمثلة إضافية تبين إمكانية التفكير بدون لغة، فهو يرى أن بإمكاننا أن نعيد عزف النغمات الدالة على حالات انفعالية معينة كالحب والفرح والثورة... إلخ أو إعادة رمية في التنس أو كرة تصيب الهدف في كرة القدم.

 

وكثيرا ما أتخيل نفسي ـ كما يفعل الكثيرون غيري ـ داخل بستان مليء بالورود مختلفة الألوان والروائح، والفواكه بشتى أصنافها دون الحاجة إلى استحضار الكلمات الدالة على كل نوع من الورود أو لونه، أو مذاق الفواكه.. بل وربما مذاق الورود الذي يظل إلى يومنا فكرة بدون لغة دالة عليه.. 

 

وقد يعترض معترض بكون المتوالية الصوتية: "مذاق الزهرة" في حد ذاتها تنطبق مع الفكرة التي تدل عليها. غير أننا نجيب بأن لفظة :"مذاق" لوحدها تدل على عالم مخيالي معين؛ فقد يكون هذا المذاق إما حلوا أو مرا أو مالحا ...

 

كما أن لفظة "الزهرة" تحيل على عالم مخيالي مختلف تماما؛ فقد نكون بصدد قرنفل أو ياسمين أو أقحوان ...

 

فإذا احتج أن علاقة الإسناد هي ما يدل على فكرة "مذاق الزهرة" قلنا إن علاقة الإسناد في حد ذاتها عملية عقلية محض لا يحتاج فيها إلى الإستعانة بأي وسيلة لفظية، وهي في هذا مثلها مثل عمليات التدوير العقلي كما مر بنا في ما سلف.

 

وسيتبين لك مما سبق أن الفكر غير منطبق مع اللغة. ينضاف إلى ذلك أن كل المخترعات التي يكتشفها الإنسان لا تكون لها أسماء دالة عليها في البدء. وهكذا يضطر المخترع ـ في أغلب الحالات ـ إلى أن يقضي وقتا غير قصير لإختيار إسم مناسب لما اخترع، وفي هذا انتقاد ضمني للمذهب الطبيعي القاضي بوجود علاقة طبيعية بين الإسم والمسمى.

 

ونعود ـ في هذا السياق ـ إلى الفكرة التي أرجأناها قبل عن الاعتباطية عند "سوسير" لنرى كيف ستسعفنا في هذا الإطار.

 

يرى "سوسير" أن الفكرة الواحدة يمكن التعبير عنها بمجموعة  من الدوال بدليل قوله: "وهكذا، فإن فكرة "أخت" ليست مرتبطة بأية علاقة داخلية مع السلسة المتتابعة من الأصوات: أ ـ خ ـ ت. التي تستعمل كدال بالنسبة لهذه الفكرة، إذ يمكن تمثيلها بفكرة أخرى. والدليل على ذلك الفروق بين اللغات بل وجود لغات مختلفة: فللمدلول: (ثور)، الدال:( ث ـ و ـ ر) في محيط معين و(B-O-E-U-F) فيما وراءه"[48] وهذا يعني أن الدال الذي تطلقه لغة ما (ل1) على مدلول معين (ثور مثلا) ترفضه لغة أخرى (ل2) جملة وتفصيلا: (أي أن العلاقة بين الدال والمدلول لا تقوم على أية رابطة طبيعية"[49].

 

وهذا يعني ببساطة أن الفكرة تظل مادة "خاما" فتتوالى عليها الدوال لتخرجها من سديميتها وتعطيها شكلا معينا. واستقلال الفكر عن اللغة جلي في هذا.

 

كما يذهب "بالارد  Ballard" إلى أنه يمكن التفكير بدون لغة "إذا حلت محل اللغة رموز أخرى، ولكن كلما زاد التفكير عمقا واتجه النشاط العقلي إلى المقارنة واستخلاص الصفات المشتركة.. زادت حاجة العقل إلى استخدام اللغة"[50]

 

ولتعزيز رأينا هذا سنحاول البحث في أصول اللغة والفكر علنا نظفر بتحقيق نوع من الاطمئنان لاستقلال اللغة عن الفكر.

 

4 ـ2ـ أصول اللغة والفكر:

 

اللغة والفكر صادران من جذور مختلفة، ففي البداية يوجد ما يمكن وصفه بأنه فكر ما قبل اللغة وكلام ما قبل العمليات العقلية. وكل منهما يندمج في الآخر بالتدريج، كلما اقترب الطفل من مرحلة ما قبل العمليات، ومع هذا فإن اندماج كل من الفكر والكلام لا يكون تاما، ويوضح الشكل التوضيحي التالي وجود بعض جوانب استقلال كل من اللغة والفكر واستمرار هذه الاستقلالية[51] .

رسم توضيحي لنظرية العلاقة بين اللغة والفكر

 

 

 


 

 

وينبغي ـ قبل أن ننهي حديثنا عن قضية اللغة والفكر ـ أن نشير إلى أننا لا نبخس العلاقة بين الطرفين حقها، فنحن نعي تماما ما يجمع بينهما من علاقة وطيدة تسعى من خلالها اللغة لتكون المراة التي تعكس تفاصيل الفكر وخباياه في أمان. غير أنها كثيرا ما تحيد عن تلك الغاية (حالة الكذب مثلا أو الخطأ) فتجسد بذلك المسافة الفاصلة بينهما.

 

نص مساعد: "وكثيرا ما نعتقد أننا نفكر في شكل كلمات، ولكن إذا فكرنا هنيهة فإن هذه الفكرة ستبدو خاطئة [...] فأن نقول شيئا معينا ثم نستدرك بأن هذا ليس هو ما قصدنا إليه، يفرض أن يوجد هناك نوع من التمثيل [الذهني] لما نريد قوله وأن هذا التمثيل [الذهني] هو موجود خارج مجال الكلمات التي اخترناها للتعبير عنه. أضف إلى ذلك أن هناك عدة أشكال مختلفة للتفكير، وهكذا فعندما يتم اختيار ألوان معينة للرسم أو عندما تدرس "هجمة" في لعبة كرة القدم، تكون المسافة ـ في هذه الحالة  ـ بين كلماتنا وأفكارنا متباعدة"[52]

 

الباب الثالث: بين علم اللغة وعلم النفس: اللسانيات النفسية.

 

عرضنا في الفصل الأول لعلم اللغة. وسعينا قدر الإمكان إلى التعريف به وبموضوعه وأهم قضاياه. كما عرضنا في الفصل الثاني لعلم النفس، وسلكنا في سبيل التعريف به وبأهم قضاياه نفس المسلك. وقد لاحظنا في خضم ذلك أنه تعترضنا في بعض الحالات قضايا مشتركة بين العلمين: إنها موضوع اللسانيات النفسية (أو علم النفس اللغوي).

 

 

 

الفصل الأول: اللسانيات النفسية  بين رهانات الهوية ومشاكل

     التسمية

 

1-1 التعريف :

 

 

 

      لقد بينا قبل أن اللسانيات النفسية أو علم النفس اللغوي psycholinguistique  هو ثمرة التقارب الحاصل بين العلمين الكبيرين: علم اللغة، وعلم النفس. وسنعرف هذا الميدان الدراسي الجديد بكونه دراسة السيرورات الإدراكية المؤدية إلى إنتاج وفهم اللغة. وقد تأسس في بداية الخمسينات بعد تلاقح عدة مجالات: علم اللغة، علم النفس، علم الأعصاب... وتكمن أهمية هذا العلم في كونه يدرس قدرة الإنسان على التواصل. هذه القدرة  تستدعي عدة عمليات ذهنية وعضوية تتم بسرعة فائقة.

 

"ويحظى علم النفس اللغوي باهتمام متزايد في إطار البحوث الجارية في مجال علم النفس المعرفي، وكذا في مجال سبر أغوار المخ البشري، حيث تعد الوظائف اللغوية الذهنية مدخلا أساسيا لكشف الكيفية التي يعمل بها المخ البشري عموما، وتتمثل هذه الوظائف الذهنية في المدخلات التي هي عبارة عن الاستماع والقراءة، ثم المخرجات: التحدث والكتابة".  

 

يبدو عنوان هذا الفصل مضللا للوهلة الأولى.. فهل هذا يعني أن هذا العلم "الهجين" لم يتحدد بعد باعتباره علما قائم الذات ومكتفيا بمنظومته النظرية؟ كلا.. إن المشكلة تتجلى في الأسئلة التالية: هل هذا العلم فرع من علم النفس أم من علم اللغة؟ هل هو علم النفس اللغوي أم علم اللغة النفسي؟ هل يستطيع أن يفرض نفسه إلى جانب باقي العلوم المعرفية أم أنه سيتلاشى مجددا لصالح هذا العلم أو ذاك؟ ...

 

أ-  وجهة نظر علماء اللغة:

 

يطلق بعض علماء اللغة على هذا العلم: "علم اللغة النفسي"، ويعرفونه بأنه ذلك الفرع من علم اللغة التطبيقي الذي يدرس اكتساب اللغة الأولى وتعلم اللغة الأجنبية والعوامل النفسية المؤثرة في هذا التعلم. كما يدرس عيوب النطق والعلاقة بين النفس البشرية واللغة بشكل عام"[53].

 

ويقترح بعض اللسانيين تعريفا أوسع لهذا العلم "باعتباره يدرس العلاقة بين اللغة والعقل الإنساني، مثل اكتساب اللغة باعتبارها عملية عقلية نفسية لإدراك الكلام، وطبيعة العلاقة بين اللغة والتفكير، وعلاقة اللغة بالشخصية، ووظيفة اللغة في الحالات الخاصة (كالعمى) أو سيكولوجية القراءة أو دراسة عيوب الكلام"[54].

 

وأوضح مثال نأخذه في هذا السياق، هو موقف "تشومسكي" الذي جعل من علم اللغة النفسي فرعا من اللسانيات العامة، يقول في هذا الصدد: "إن اللسانيات حقل لعلم النفس، لن يكون من المفاجئ بالطبع أن دراسة اللغة يمكن أن تكشف أمورا كثيرة عن طبيعة العقل"[55]. ومعنى هذا الكلام أن عالم اللغة الذي يشتغل على المتواليات اللغوية هو من سيكشف عن طبيعة العقل البشري.. وبهذا سنطلق على هذا الميدان من الدراسة علم اللغة النفسي، أو اللسانيات النفسية..وكلنا يعلم أن "تشومسكي" الذي كان له فضل كبير على اللسانيات النفسية ـ لم يكن عالم نفس، بل كان عالم لغة.

 

ب-  وجهة نظر علماء النفس:

 

لا تقتصر مشاكل التسمية على فعل الترجمة وحده (علم النفس اللغوي أو علم اللغة النفسي) بل تتجاوزه أيضا لتمس أصل المصطلح، فأول مصطلح ظهر كان هو علم نفس اللغة أو" سيكولوجية اللغة psychologie of language" قبل أن يتم التخلي عن هذا الأصل ويستبدل بمصطلح: "”la psycholinguistique، إن المصطلح الجديد "يمثل تحولا فعليا عن مداخل أقدم للسلوك اللغوي، ويشير كما لو أن هناك موازنة بين علم اللغة وعلم النفس (...) أن علم النفس اللغوي يظل تخصصا فرعيا في علم النفس"[56].

 

والملاحظ على النص أعلاه أن صاحبه وهي "جودث جرين" تسميه، علم النفس اللغوي، وفي هذا تأكيد على ما ألمحنا إليه سابقا، من أن الفرق بين التسميتين هو المجال الأصلي الذي تنطلق منه الدراسة، لذا تسميه: علم النفس اللغوي لأنها عالمة نفس.

 

وعندما استخدم مصطلح علم النفس اللغوي لأول مرة في أوائل الخمسينات من هذا القرن كشف عن اهتمام بالمناهج اللغوية التي تتعلق بخرج(output)  مستخدمي اللغة وعلى الأخص التحليل البنيوي إلى وحدات لغوية مثل الوحدات الصوتية (phonèmes) والوحدات الصرفية (morphemes) والتعبيرات (phrases)  .[57]

 

ويرى علماء النفس أن هذا العلم ـ علم النفس اللغوي ـ: "يهتم بالعلاقة بين صور التواصل أو الرسائل وبين خصال الأشخاص الذين يجري بينهم التواصل، أو هو دراسة اللغة كما ترتبط بالخصال الفردية أو العامة لدى مستخدمي اللغة"[58].

 

إن هذا الفصل ـ الضمني ـ بين علم اللغة النفسي وعلم النفس اللغوي ـ حسب المجال المعرفي الذي تنطلق منه الدراسة : علم النفس أو علم اللغة ـ. هو ما يهدد هوية هذا العلم ويضطره إلى تحديد واضح وصريح لموضوع اشتغاله. وهذا ما سعى إلى القيام به فعلا كما سيتبين من عرضنا لأهم المراحل التي قطعتها اللسانيات النفسية، وهو المصطلح الذي اخترناه في النهاية، قبل أن تستقر على صورتها الحالية.

 

الفصل الثاني: اللسانيات النفسية: الأصول و المراحل:

 

2ـ1ـ الأصول :

 

2ـ1ـ1ـ البنيوية:

 

يرجع الفضل في ظهور اللسانيات النفسية إلى المدرسة البنيوية مع "سوسير" فقد أفادت هذه المدرسة من أعمال نحاة وفيلولوجيي (ق19) كما أنها أسست قاعدة الدراسة العلمية للغات. 

 

والجديد الذي جاءت به البنيوية، وكان له بالغ التأثير في ظهور اللسانيات النفسية، عاملان اثنان:

 

أولا: أنها حينما ميزت بين اللغة والكلام سمحت بالتعرف على اللغة كموضوع في استقلال تام عن الأفراد الذين يستعملونها"[59].

 

الثاني: رأينا سابقا أن اللغة حسب سوسير هي نظام من العلامات؛ أي من وحدات ذات وجهين هما: الدال والمدلول، وكلاهما من طبيعة نفسية. فكان أن أدخل سوسير أدوات نفسية وطبقها على اللغة، فظهرت بذلك تباشير المعالجة النفسية للغة.

 

2ـ1ـ2ـ النظرية السلوكية:

 

"في نفس الوقت الذي حددت فيه اللسانيات موضوعها في استقلال تام عن علم النفس، قام علم النفس بخطوة مشابهة لتحديد موضوعه فاتنقل من دراسة حالات الوعي ليصبح علم السلوك. كما رفض نهائيا فكرة الاستبطان ليتعاطى مع ما هو قابل للملاحظة. فحدد بذلك علم النفس بأنه دراسة العلاقات المتواجدة بين المثيرات والاستجابات"[60].

 

ولقد أولينا اهتماما كبيرا ـ في الفصل الثاني ـ للمدرسة السلوكية. وبينا أهم ما جاءت به هذه المدرسة. غير أنه توجد فكرة محورية سكتنا عنها حينئذ وها قد آن أوانها.. "إن أية معرفة علمية بالإنسان لا يمكنها أن تتواجد إلا إذا اختزلنا هذا الأخير على قدر الإمكان في شكل آلة"[61]، فكما أن الآلة لا يمكنها أن تستجيب إلا إذا أوصلناها بالكهرباء، فكذلك الإنسان، لا يستجيب إلا إذا تعرض لمثير معين (لفظي أو غير لفظي) وقد فصلنا القول في المدرستين السابقتين آنفا فلا داعي للتكرار.

2ـ1ـ3ـ النموذج الإعلامي:

 

كانت فكرة: المثير-الاستجابة السلوكية مغذية بشكل كبير للخطاطة التي جاء بها شانون في نظرية المعلومات، وفيها يتم الانتقال من نموذج ميكانيكي إلى نموذج إخباري أكثر عمومية. ففي تلك الخطاطة "ليس المهم محتوى الرسالة ولكن احتمال إرسالها، وهذا يعني أن خرج (output) مستخدمي اللغة يمكن أن ينظر إليه بوصفه مجموعة من تتابعات الرسالة التي يكون لكل كلمة فيها احتمال يمكن تحديده فيما يتعلق بورودها"[62]

 

2ـ2ـ المراحل*

 

2ـ2ـ1ـ المرحلة الأولى: اللغة باعتبارها سننا (Code) :

 

عقد سنة 1951، بجامعة كورني Cornell ملتقى صيفي أول شارك فيه عدد من علماء النفس واللسانيين رغبة في تحديد حقل مشترك للبحث.

 

وقد بدت النتائج واعدة. وبعد سنتين، وفي جامعة (انديانا  Indiana) عقد ملتقى ثاني. كما أنجز عمل جماعي تحت إشراف عالم النفس "Osgood" واللساني

 

" Sebeok" ، وقد شكل هذا كتاب الذي  يحمل عنوان:

 

« Psycholinguistique : Asurvey of theory and research problems)

 

ثمرة عمل مشترك بين حقول معرفية متباينة، وقد حدد الكتاب اتجاها جديدا أعطي له اسم واقترح له برنامج واسع للبحث"[63]

 

ويمكن أن نجمل الروافد التي شكلت البحث اللساني النفسي في هذه المرحلة في ثلاث مدارس:

 

ـ أولا: علم النفس: ممثلا في نظرية التعلم السلوكية.

 

ـ ثانيا: اللسانيات البنيوية ممثلة في المناهج التوزيعية لبلومفيلد وهاريس.

 

ـ ثالثا: نظرية المعلومات مع " شانون" الذي عرف المعلومة بأنها اختيار حدث ما ضمن مجموعة منتهية من الأحداث الممكنة"[64]

 

2ـ2ـ2ـ المرحلة 2: اللغة باعتبارها نحوا:

 

كان لظهور كتاب "تشومسكي" "البنيات التركيبية:Structures syntaxiques" سنة 1957 أثر كبير على مسار الدراسات اللغوية. واستفاد منه اللسانيون بفضل إسهامات "ج.ميلر" طيلة الستينات من القرن الماضي.

 

إن وصف لغة ما حسب "تشومسكي" ينبغي أن يركز على صياغة مجموعة محددة من القواعد الشكلية التي تسمح بتوليد كل الجمل السليمة ـوالسليمة فقط ـ لهذه اللغة. وجملة القواعد هذه هي ما يشكل النحو التوليدي.

 

ويمكن تقسيم هذه القواعد إلى قسمين:

 

أ ـ قواعد خطية (syntagmatiques) مولدة لمؤشرات خطية (Indicateurs syntagmatiques) تحتية عن طريق سلسلة من قواعد إعادة الكتابة. إنها تنتج سلسلة من الرموز.

 

ب ـ قواعد تحويلية transformationelles) ) ـ بعضها إجباري والآخر اختياري ـ تطبق على هذه السلاسل من الرموز للحصول على متواليات نهائية(أي جمل).

 

(...) وفي سنة 1965 مع: "مظاهر النظرية التركيبية" أعطى "تشومسكي" إصدارا جديدا لنموذجه يدعى عادة "النظرية المعيار" حيث تتمثل عناصره الأساسية الجديدة فيما يلي:

 

ـ أضيف إلى المكون التركيبي للنحو مكون دلالي وهو الذي يؤول معنى الجملة  ومكون صوتي يؤول المتوالية النهائية إلى أصوات.

 

ـ يطبق التأويل الدلالي على البنية العميقة للجملة: أي على البنية المنتجة عن طريق القواعد النظمية (R. Syntagmatique)   قبل تطبيق التحويلات، وهذا يفرض أن التحويلات لا تغير شيئا في معاني الجمل (وهو بذلك يبطل فكرة التحويلات الاختيارية)"[65] .

 

القدرة الإبداعية:

 

نجمع القدرة (La competence) والإبداعية (Creativité) في مفهوم: القدرة الإبداعية (La competence creative). ونعني بها قدرة المتكلم ـ المستمع على إنتاج تعابير جديدة لم يسمع بها من قبل. شريطة مطابقتها للقواعد العامة للنسق اللغوي للمتكلم.

 

ويتحدث عبد القادر الفاسي الفهري عما يسميه افتراض القدرة. ويعني بها "أن المعرفة اللغوية المخزونة التي يكتسبها متعلم اللغة هي عينها التي يستعملها بصفة غير واعية في فهم وإنتاج اللغة. وأن هذه المعرفة التي تمكن من التكلم وفهم اللغة هي المعرفة التي تصلح في الحكم على المتواليات بأن بعضها ينتمي إلى لغته وبعضها لا ينتمي إليها"[66]

 

أما الإبداعية في اللغة  فتتكون من تنظيم علامي مفتوح  يسمح بفهم وإنتاج عدد لا محدود من الجمل التي لم يسبق للفرد سماع كثير منها من قبل. وتتميز الابداعية ب:

 

ـ كون الاستعمال الطبيعي لها متجدد.

 

ـ لا يخضع أو يرتبط استعمال اللغة بأي منبه خارجي أو داخلي وبالتالي فاللغة أداة الفكر والتعبير"[67].

 

وتعتبر هذه الخاصية ـ الإبداعية ـ "واحدة من الحقائق المذهلة التي كشف عنها "تشومسكي" فالطفل ابن الخامسة أو السادسة يستطيع أن ينتج ويفهم عددا غير محدود ولا نهائي من الجمل التي لم يسمع بها من قبل"[68].

 

ونفس الشيء يحدث عندما يتعلم المرء لغة أجنبية إضافية، فهو لا يتعلم جميع التعابير اللغوية الممكنة عن طريق جمعها من أفواه المتكلمين. بل يضمر قدرة ضمنية (قواعد عامة) تخول له إنتاج تعابير جديدة لم يسمع بها من قبل.

 

وهذا كله لا علاقة له بفكرة المثيرـ الاستجابة لدى السلوكيين؛ وهذه الحجة وظفها "تشومسكي" في معرض انتقاده للمدرسة السلوكية خاصة انتقاده "للسلوك اللفظي" لسكنر". رغم أن "تشومسكي" لم ينكر أبدا أن بعض جوانب اللغة يمكن أن تطبق عليها نظرية المثير-الاستجابة

 

ويبقى أكبر أثر بخلفه "تشومسكي" هو اعتباره أن معرفة الكثير من مظاهر اللغة وبعض القدرات العقلية يعتبر أمرا فطريا، مع العلم أن هذه المعرفة تحتاج إلى وسط يساعد على ظهورها"[69].

 

2ـ2ـ3ـ المرحلة3: اللسانيات النفسية الحالية:

 

سنحاول اعتمادا على ترجمتنا المتواضعة لبعض ما جاء في كتاب "جون كارون" « Précis de la linguistique » أن نعطي للقارئ الكريم أهم مميزات اللسانيات النفسية الحالية.

 

ـ أولا: إنه يحاول أن يندمج بشكل ضيق في خانة علم النفس المعرفي. كما تحاول نظرية "تشومسكي" أن تجعل من وظيفة اللغة مجالا منعزلا"[70].

 

وقد صدر "لتشومسكي" في هذا الإطار سنة 1986 كتاب يحمل عنوان: (معرفة اللغة) سعى فيه إلى الإجابة عن سؤال: "كيف يتأتى للبشر، وهم من لا يملكون سوى احتكاكات قليلة وشخصية ومحددة بالعالم أن يعرفوا ما يعرفونه؟ وكانت الإجابة هي: "عن طريق دراسة ملكة اللغة البشرية (Human language faculty)، يمكن أن يتبين لنا كيف يبني المرء نظاما معرفيا ناتجا عن التجربة اليومية"[71].

 

ـ ثانيا: "تتسع مقاربة اللغة باستمرار من المقاربة التركيبية المحضة للمدرسة التشومسكية": (أن تتكلم معناه أن تبني أو تحدد جملا مركبة وفق قواعد اللغة) إلى مقاربة تدرس المظاهر الدلالية (أن تتكلم معناه أن تنتج دلالات) إلى مقاربة تداولية: (أن تتكلم معناه أن تستعمل لغة بطريقة تتلاءم مع السياق ومع المتلقي ووفق الأهداف التواصلية)[72].

 

وقد قدم "موريس" في نظريته العامة عن العلامات التي اقترحها سنة 1933 تمييزا لثلاث مقاربات: مقاربة تركيبية تدرس علاقة العلامات فيما بينها، ومقاربة دلالية تبين علاقات العلامات مع ما تحيل عليه. وأخيرا مقاربة تداولية تجعل موضوعها هو العلاقات القائمة بين العلامات ومستعمليها"[73].

 

كما لا يجب أن ننسى الدور المهم "الذي لعبته أعمال المعالجة الآلية للغة في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي تطور بشكل كبير في غمار العشر أو الخمس عشرة سنة الأخيرة (...) كما أن التبادلات التي تمت بين الذكاء الاصطناعي وعلم النفس المعرفي في إطار "علم معرفي، نما منذ سنوات، ستلعب بالتأكيد دورا مهما في تطور اللسانيات النفسية"[74] .

 

الفصل: 3 ـ مجالات اشتغال اللسانيات النفسية:

 

قبل أن نحدد المجالات التي تشتغل عليها اللسانيات النفسية، تجدر الإشارة إلى أن هناك هدفين رئيسيين متداخلين للبحوث اللسانية النفسية:

 

أ ـ فحص الوجود أو التحقق السيكولوجي للوصف اللغوي للكفاءة أو التمــكـن (la compétence) .

 

ب ـ تحديد العوامل السيكولوجية التي تؤثر في الأداء اللغوي وتحديد طبيعة هذا التأثير"[75].

 

وأخيرا بقي أن نحدد مجال اشتغال اللسانيات النفسية في المجالات التالية:

 

* إكتساب اللغة                 * فهم اللغة

 

* إدراك الكلام                  * إنتاج اللغة اللفظية والشفوية والكتابة.

 

* مشاكل اللغة                  * اللغة والفكر.

 

كما أن مجال اشتغالها يبقى مفتوحا على قضايا أخرى يمكنها أن تمس الجانبين الأساسيين داخل الكائن البشري: الجانب النفسي والجانب اللغوي. مما يجعل الرهانات والتحديات قائمة في وجه هذا العلم ليوسع من دائرة اختصاصاته ويفرض نفسه إلى جانب باقي العلوم الإنسانية الأخرى.

خاتمة:

 

لقد حاولنا جهد الإمكان التعريف بالأسس المنهجية التي قامت عليها اللسانيات النفسية، وقد كان هاجسنا خلال مجمل أطوار هذا البحث هو إبراز نقط الالتقاء بين علم النفس وعلم اللغة، وكما أشرنا إلى ذلك فيما سبق، هناك عدة رهانات تواجه البحث اللساني النفسي،ولعل أبرزها هو استقلاله بمنظومة منهجية وموضوعاتية عن مباحث علم النفس ومباحث علم اللغة، الأمر الذي من شأنه أن يجعل من اللسانيات النفسية علما معرفيا قائم الذات.وبما أن هذا الميدان الدراسي جديد نسبيا فإن المستقبل هو الذي سيتكفل بإبراز مدى تحقيق هذه الرهانات.

 

ونتمنى أن يكون الجهد الذي بذلناه في هذا البحث خطوة إيجابية في التعريف باللسانيات النفسية وتقريبها من الباحث العربي، نتمنى أن نتجاوز في بحوث قادمة  ثغرات منهجية و مضمونية قد يسطرها القارئ الكريم على هذا العمل.

 

 

 

هذا و ما كان من توفيق فمن الله و ما كان من سهو فمن نفسي ومن الشيطان، و الحمد لله رب العالمين.

 

 

 


المـصـادر:

 

ـ ابن جني، "الخصائص"، تحقيق محمد علي النجار، ج1، ط3، دار الهدى بيروت. 

 

ـ الفارابي "كتاب الحروف" تحقيق محسن مهدي، دار المشرق، بيروت 1970

 

ـ السيوطي، "المزهر في علوم اللغة وأنواعها"، تحقيق محمد أحمد عبد المولى وحلمي محمد الصاوي وأبو الفضل ابراهيم، دار الفكر للطباعة والنشر، والتوزيع، بيروت.

 

المراجع:

 

ـ بنعيسى أزاييط. "محاضرات في علم الدلالة"، مطبوع موزع على طلبة السنة الثالثة تخصص لسانيات، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس، 2006-2007.

 

ـ جودت جرين، "علم اللغة النفسي، تشومسكي وعلم النفس" ترجمة وتعليق د. مصطفى التوني.

 

ـ جون ليونز، "نظرية تشومسكي اللغوية"، ترجمة وتعليق: د. حلمي خليل، ط1، دار المعرفة الأكاديمية 1985.

 

ـ د. حنفي بنعيسى، "محاضرات في علم النفس اللغوي"، ط3، ديوان المطبوعات الجامعية المؤسسة الوطنية للكتاب.

 

ـ دينيس تشيلد، "علم النفس والمعلم"، ترجمة د. عبد الحليم محمد السيد، زين العابدين درويش. د. حسين الدريني.

 

ـ سعيد بنكراد: "السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها"، سلسلة شرفات 11 منشورات الزمن 2003، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء.

 

ـ عبد القادر الفاسي الفهري، "اللسانيات واللغة العربية: نماذج تركيبية ودلالية"، الكتاب الأول، دار توبقال للنشر، 1988.

 

ـ عثماني الميلودي، "الشعرية التوليدية ،مداخل نظرية"، ط1، شركة النشر والتوزيع المدارس 2000.

 

ـ مبارك حنون، "مدخل للسانيات سوسير"، البيضاء، دار توبقال للنشر.

 

ـ د. محمد سبيلا، عبد السلام بنعبد العالي، "دفاتر فلسفية، نصوص مختارة"، سلسلة5، دار توبقال للنشر.

 

ـ نوال محمد عطية "علم النفس اللغوي"، ط3، المكتبة الأكاديمية 1995.

 

المجلات العربية:

 

1 ـ أحمد أوزي، "مجابهة بين بياجي وتشومسكي"، مجلة الدراسات النفسية والتربوية، عدد 3، ديسمبر 1983.

 

2 ـ جمعة سيد يوسف، "سيكولوجيا اللغة والمرض العقلي" سلسلة عالم المعرفة عدد 145 يناير 1990.

 

3 ـ عبد الستار ابراهيم، "الإنسان وعلم النفس"، سلسلة عالم المعرفة، عدد 86، فبراير 1985.

 

4 ـ غادامير، "الإنسان واللغة"، ترجمة عبد العالي اليزمي، مجلة علامات العدد 22.

 

5 ـ الغالي أحرشاو، "الفهم السيكولوجي لتكون الدلالة اللغوية عند الطفل". مجلة الدراسات النفسية والتربوية، عدد 15 دجنبر 1985.

 

 

 

6 ـ مايكل كورباليس، "في نشأة اللغة، من إشارة اليد إلى نطق الفم"، سلسلة علم المعرفة، العدد 325، مارس 2006.

 

 

 

المراجع باللغة الفرنسية:

 

 

 

-Jean Caron « precis de psycholinguistique » presse Universitaire de France 1ère  edition, 1983. Avril.

 

 

 

-Edward Mathei, Tromas pioper « Introduction a la psycholinguistique » traduit de l’Amercain par : Hanka Bijeljac, Bordos, Paris 1988.

 

 

الهوامش

 


 

 

حريق الأقصى

لم يتغير شيء، لازلنا نكرر نفس العبارة " يصادف اليوم(21/8) الذكرى كذا لجريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك"، لم يتغير شيء فالأطماع هي هي بل زادت، وعجزنا هو هو بل زاد، والأقصى أسير ينتظر، والخطر يتهدده ليل نهار، أساساته على وشك الانهيار، وأسواره تواجه الاندثار، والاعتداءات تتكرر باستمرار.
جريمة إحراق المسجد الأقصى قبل 37 عام كانت ربما الأوضح والأبشع والأشهر في سلسلة لا تنتهي من الانتهاكات والاعتداءات، جريمة سمعنا عنها أو قرأنا، لكن يا ترى كم منا يعرف تفاصيل ما جرى؟ والأهم كم منا يعرف تفاصيل ما يجري؟ علم ذلك عند رب العباد، لكن لا بأس أن نعود بذاكرتنا إلى الوراء لنعيش تفاصيل الجريمة النكراء، ولنمر بعدها على قائمة الاعتداءات المتواصلة، لنصل إلى ما يجري اليوم، لنعلم مدى الخطر الذي يتهدد أطهر بقعة في فلسطيننا الغالية، وأصل الصراع ولبه.
في أوائل عام 1968 دخل إلى فلسطين المحتلة تحت ستار السياحة المجرم " دينيس مايكل روهان" وهو استرالي الجنسية ينتمي إلى "كنيسة الرب" التي تؤمن بنبؤات التوراة التي تزعم أن المسيح عليه السلام سينزل إلى الأرض بعد بناء الهيكل المزعوم فوق أنقاض الأقصى المبارك، وبعد وصوله انضم المجرم روهان إلى عدد من أعضاء كنيسة المتطوعين في إحدى مستوطنات الضفة الغربية.
حاول هذا المجرم في 11/8/1968 إحراق المسجد الأقصى لكنه فشل في إتمام جريمته وتسترت عليه سلطات الاحتلال،، أي أنه حاول قبل عام من فعلته الشنيعة، حتى كان يوم 21/8/1969، يوم قام بجريمته النكراء وبمساعدة وتسهيل من سلطات الاحتلال وبمشاركة آخرين، ليشكل هذا اليوم الاعتداء الأبرز والأبشع من حيث حجم الدمار والأضرار ومن حيث التورط الرسمي والمشاركة في الجريمة.
في ذلك اليوم تسلل المجرم روهان إلى ساحات المسجد الشريف وتمكن من الوصول إلى محراب المسجد وإضرام النار فيه، ورغم أن الرواية الرسمية للإحتلال تقول بأنه عمل فردي، إلا أن تقارير المهندسين في لجنة إعمار المسجد الأقصى أكدت أن الحريق شب في أكثر من مكان وفي وقت واحد ومتزامن، وهو ما لا يمكن لفرد واحد القيام به، ومما يؤكد التورط الرسمي في هذه الجريمة.
التورط الرسمي لسلطات الاحتلال لم يكن فقط بالمشاركة عبر التسهيل والإعداد للحريق، بل تعداه لما بعد الحريق، فقد تعمدت سلطات الاحتلال قطع المياه عن منطقة المسجد الشريف قبل نشوب الحريق وأثناءه، من أجل إحباط محاولات الإطفاء وبالتالي إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالمسجد، إضافة إلى تأخر سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس في الوصول إلى الموقع، والتي لم تسهم بأي دور في عملية الإطفاء التي نهض المواطنون العرب بكل أعبائها، حيث استبسلوا في الدفاع عن المسجد القدسي وتمكنوا من إخماد النار رغم قلة ما لديهم من إمكانات، بمساعدة من سيارات الإطفاء الفلسطينية التي قدمت من الخليل ورام الله.
نشب الحريق في ثلاثة مواضع من المسجد :
الأول: في مسجد عمر، الثاني: في وسط الجدار الجنوبي وفي منبر صلاح الدين، والثالث: في الشباك الواقع في الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى ، وهذا الشباك يرتفع عشرة أمتار فوق أرضية المسجد ويصعب الوصول إليه من الداخل ، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن هناك مجرمين آخرين ساعدوا المجرم "دنيس مايكل روهان" من الخارج من الناحية الغربية في إشعال الحريق.
كانت الخطة تقتضي أن يدمر الحريق المواضع الثلاثة السابقة الذكر، وأن يتصل مع بعضه ويدمر الواجهة الجنوبية بالكامل، ومن ثم يمتد شمالاً ليحرق المسجد بالكامل، ولكن النار في الشباك المرتفع قد انطفأت وحدها، ولذلك لم يحترق إلا الوسط والجهة الشرقية. ولقد احترق من المسجد حوالي 1500 متر مربع من أصل المساحة الإجمالية للمسجد البالغة 4400 متر مربع، أي ثلث مساحة المسجد الأقصى تقريباً، وأوقع الحريق دماراً كبيراً وكانت أهم الأجزاء التي أتى عليها:
• منبر صلاح الدين الذي يعتبر قطعة فنية نادرة يرمز إلى انتصار القائد صلاح الدين الأيوبي ودخوله القدس .
• مسجد عمر الواقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى .
• محراب زكريا المجاور لمسجد عمر.
• مقام الأربعين .
• ثلاثة أروقة ممتدة من الجنوب شمالاً مع الأعمدة والأقواس والزخرفة والسقف الذي سقط على أرض المسجد.
• عمودان رئيسان مع القوس الحامل للقبة.
• القبة الخشبية الداخلية والزخرفة الملونة عليها .
• المحراب الرئيسي للمسجد
• الجدار الجنوبي والرخام الداخلي كله .
• 48 نافذة فريدة بصناعتها من الجبس والزجاج الملون.
• السجاد العجمي .
• سورة الإسراء التي تبتدئ من فوق المحراب.
الجريمة المعدة رسمياً سلفاً لم تنته فصولها بنشوب الحريق، لكنها استمرت فرغم أن المجرم روهان اعترف بفعلته الشنيعة قائلاً أنه ارتكبها تحقيقاً لنبوءة في "سفر زكريا"، وأنه مبعوث من الرب لتنفيذ هذا الواجب الديني، وأنه حاول سابقاً ارتكابها لكنه فشل، إلا أن سلطات الاحتلال برأته وأخلت سبيله بعد محاكمة هي مسرحية بكل معنى الكلمة.

 


يهود

 

 

 

«من كان مؤمناً فيجب أن يعيش في إسرائيل.. وكل يهودي يعيش خارجها فلا إله له»..

 

   هذه العبارة التي ترددها الجماعات اليهودية ومنهم بن جوريون (أحد منفذي الحركة الصهيونية) لتشجيع الهجرة إلى "إسرائيل"، متخذين من الدين وسيلة وذريعة للاتساع الصهيوني.. فيشبه الإسرائيليون أرض فلسطين «بجلد الإبل الذي إذا عطش وجاع انكمش.. وإذا شبع وارتوى تمدد»، فهذه الأرض تتسع وتكبر إذا سكنها «شعب الله المختار» كما يحلو لليهود أن يسموا أنفسهم وتتقلص وتنكمش إذا هجروها، فإسرائيل بالنسبة إلى اليهود تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات، وهذا موجود على خريطتهم وفي كتبهم ويدرسونه لتلاميذهم في المدرسة، فهم يزعمون أن هذه الأرض وهبها الله إلى جدنا سيدنا إبراهيم عليه السلام، «فالعرب واليهود مشتركون في جد واحد وهم أبناء عمومة» وأن سيدنا إسماعيل سرقها من أخيه سيدنا إسحاق عليهما الصلاة والسلام لذلك فإن العرب الموجودين فيها غزاة ولصوص ومن حق اليهودي أن يسترجع أرضه من المغتصبين ومن ثم يكون احتلال هذه الأرض هو بداية استقلالها.

 

 

إن هذا المنهج الديني تتخذه الجماعات الصهيونية لتهجير أكبر عدد ممكن من اليهود في كل أنحاء العالم وبذلك يتحقق حلمهم بالاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أرض فلسطين، فهم يوظفون الناحية الدينية في مصلحة الرؤية الاستيطانية.. فمبدأ الحركة الصهيونية يعتمد أساساً على أولاً: مقولة أرض بلا شعب، وثانياً: على الإبادة والتهجير وهذا ما يقوم به الإسرائيليون الآن من تشريد أصحاب الأرض وقتل النساء والأطفال، وقد يتساءل البعض كيف للجندي الإسرائيلي أن يقتل طفلاً بريئا أعزل؟ فيبرر بعض الحاخامات هذا التصرف بأن الطفل سوف يكبر ويحمل السلاح ضدنا وأن الأم ستلد أطفالاً وسيكبرون بمرور الوقت وسيحاربون اليهود، وهذا يتطابق تماماً مع عبارة مناحيم بيجن الشهيرة «أنا أحارب.. إذاً أنا موجود».

 

 

وإذا أردنا أن نرجع إلى أصل الصهيونية كفكر، فهي في الأساس فكرة غربية أتى بها اثنان ينتميان إلى الديانة المسيحية بل كانا يكرهان اليهود، ويذكر لنا الدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعته «اليهود واليهودية»: «أن العقيدة الصهيونية لم تولد بين اليهود وإنما ولدت أساساً بين المفكرين الاستعماريين غير اليهود»، وبالمناسبة فإن «بلفور» الذي وعد بإنشاء وطن قومي لليهود كان يمقتهم، رغم أنه والمفكرين لعبوا دوراً مهماً في إقامة الدولة اليهودية وذلك خدمة لمصالحهم وتخليص أوروبا من اليهود الذين كانوا يشكلون عبئاً اقتصادياً وتجارياً وسياسياً.

 

 

وتزعم جماعة من اليهود تدعى «ناطوري كارتا» وهي تحرق علم "إسرائيل" كل عام، أن كتاب التوراة ذكر فيه أن العودة إلى فلسطين شيء محرم، فهذا يعجل بنهاية اليهود، وأرض "إسرائيل" لا يمكن أن تقوم على أنقاض الدماء والقتل والدمار، فالعودة يجب أن تكون على يد المسيح «المشيح» اليهودي المخلص فيجب على اليهود التحلي بالصبر حتى قدومه والتوجه تحت قيادته إلى أرض الميعاد.

 

 

بقي أن نعلم أن الفارق الأساسي ما بين اليهودية والصهيونية هي أن الأولى عقيدة دينية يؤمن بها مجموعة من الناس والثانية حركة استعمارية ليس بالضرورة أن يؤمن بها كل يهودي. مع كل هذا يسجل لنا التاريخ أن الشعوب الاستيطانية التي لم تنجح في إبادة السكان الأصليين كان مصيرها الزوال، وأسأل الله أن يبارك لنا في الانتفاضة الشريفة.

 

 

so we dont forget lebanon

 

 

يحتوي هذا المقال على مشاهد مؤلمة لا تناسب بعض الفئات لذا وجب التنبيه 

كريات شمونا. الاطفال الاسرائيليين يكتبون على الصواريخ الثقيله لارسالها     لاطفال لبنان
 


    لو كانت صاحبة هذه الصورة طفلة فلسطينية لقامت الدنيا ولم تقعد وهي تتحدث عن وحشية الفلسطينيين والعرب والمسلمين الذين يعلمون أطفالهم القتل وسفك الدماء..
 لكنها - يا سادة- لطفلة إسرائيلية دعاها جيش الاحتلال الصهيوني لتكتب رسالتها لأطفال فلسطين ولبنان على صاروخ سيمزق أشلاءهم.. وهذه الدعوة لا تدل إلا على ذروة الإنسانية..
إنسانية الغرب التي تنظر للعرب على أنهم أدنى بكثير من الحيوان

ووصلت الرسالة


Sud du Liban : Les enfants Libanais ont reçus le message des filles israéliennes !
South Lebanon :
Lebanese childrens receiving the message !
جنوب لبنان.رسالتكم وصلت الى الاطفال اللبنانيين


لقد وصلت الرسالة هذا الطفل كان اول من استلمها !


وهؤلاء استلموا الرسالة


وهذا الطفل ايضا كان له نصيب


وصاحب هذه السيارة وصلته الرسالة


وهؤلاء الاطفال ايضا استلموا الرسالة


وهؤلاء


وهؤلاء


  وهذا الطفل ايضا


وهذه المرأة كان لها نصيب من الرسالة


  وهؤلاء


وهذا الطفل ايضا


وهذا


وهذه الطفلة ايضا وصلتها الرسالة

 


وهذا


وهذا


وهؤلاء جميعهم استلموا الرسالة

 

 


وهذا


وهذا


وهذه


وهذا

 

من أجل بناء شباب مسلم

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد أختاه
..

فهل الالتزام صعب؟

إنه لسؤال مهم مُلح..

ما ذلك الوهم الغامض الذي يمنع كثيرا من المسلمات أن يلتزمن دين الإسلام.. بالتوبة من المعاصي الظاهرة والباطنة، والتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر والباطن؟

بل تعالي أختاه نجعل الأمر أعم من أنه قضية المرأة وحدها..

ما الذي يحول بين كثير من الناس، وبين التوبة وسلوك سبيل المؤمنين؟

إنه استثقال التوبة واستصعاب الالتزام ،وهذا من فعل الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ..

بعض الناس إذا قلت له :" تب" .. قال لك :" إن هذا علي صعب عسير" ..

فمثلاً نرى المدخن يقول :" إن لي عشرين عاماً وأنا أدخن .. أنا أنوي التوبة من التدخين .. ولكن كيف أتوب وقد تسرب هذا السم إلى جسمي، وصرت لا أستطيع التخلص من أسره . . ؟؟"

ويقول آخر :" إنني منذ عرفت عيناي الرؤية وأنا أنظر الى النساء . . فكيف أتوب؟"

وآخر :" كيف أنتهي عن الكذب والنميمة . . ؟؟"

ورابع يقول :" إنني طوال حياتي أرسم للناس صورة خيالية عن نفسي، ولا أستطيع أن أهدم تلك الصورة الآن" . .

إنهم وفي قرارة أنفسهم يعلمون أنهم مخطئون ، ولكنهم يحتجون أو يتبجحون ، فيقولون : "إنَّ الملتزمين قد حرموا كُلّ شيء ؛ السجائر . . الخمر . . الموسيقى . . الشم . . الهيروين . . كُلّ هذا حرام ،فماذا بقي لنا ؟"

سُبحان الله العظيم . . فكيف السبيل للتحاور مع هؤلاء؟ . . كيف تقول لهم:"إنّ الحرام أشياء معدودة، وهو ما حرمه الشرع،ولم يحرمه الملتزمون . . أما الحلال فلا سبيل إلى حصره .."

إننا نتناسى أن الأصل أن نعيش لله وبالله . .

أختاه

لا ينبغي أن يـُستثقل الالتزام مثل ألا نقوم لنصلي الفجر، في حين تعودنا أن ننام حتى الظهر . . أليس من الخسران تحويل كثير من الناس ليلهم إلى نهار . . ونهارهم الى ليل . . ؟

هذا في حين يقول الخالق في كتابه العزيز : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا } [النبأ : 10-11] وقال: { مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ } [القصص : 72]

فالليل سكون ، وأنت قد قلبت السكون إلى ضجيج وموسيقى ، وعشت ليلك نهاراً ، لذا لن يكفيك نوم النهار كله ،ولكن حاولي ضبط نفسك بأن تنامي مبكراً وتستيقظي مبكراً . .فقد قالت أم المؤمنين عائشة : "عجبت لمن ينام عن صلاة الصبح كيف يرزق . . ؟"

فبعد صلاة الصبح تقسم الأرزاق. أنت تنامين ولا تصلين، والله يرزقك . . ألا تخجلين من نفسك . .؟! تعصين الله وهو يمهلك ..

والسؤال الآن :

كيف يمكن الخلاص من استثقال التوبة واستصعاب الالتزام ..؟


والجواب، عليك الآن بالآتي :



1- دفع التسويف :

فوراً وبلا تردد . . والتوبة بادئ الرأي ألاَّ تُفكري قبل أن تتوبي، وأن تسلمي لله سبحانه وتعالى . . وانظري لكلمة اشتهرت عن سيدنا علي t - ولا نعلم مدى صحة نسبتها إليه - . . أنه لما عرف الإسلام، قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : "ألا تستشير والديك؟"

قال : "وهل استشار الله سبحانه وتعالى والدي حين خلقني . . ؟"

إنَّ أحدهم إذا قلت له :" تعال لنصلي العصر" قال لك : "سوف أصلي ركعتي استخارة أولاً" . . فيم تستخير . . ؟ وعلام ؟

إن الواجب عليك أن تتوبي الآن وبلا تسويف ، فإنَّ التوبة فرض واجب .

هل تفكرين ما إذا كنت ستتوبين أولا ؟

إن هذه كمن يستفتي الناس فيما شرع الله؛ هل صحيح أم لا ؟

إنها أوامر الله ، وقد هداك النجدين ؛إما أن تطيعيه، أو أن تعصيه . فماذا ستصنعين؟

اعلمي أن أول علاج لاستثقال التوبة واستصعاب الالتزام هو دفع التسويف فوراً . . وتحرير النية . .



2- الصدق مع الله :

إذا صدقت مع الله فسيعوضك خيراً مما تركت ، فمن تركت الاختلاط لله سيرزقها الله من حيث لا تحتسب . . سبحان الذي يُطِعم ولا يُطَعم . . فهو الذي قال: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *} [الذاريات: 56-58]

وهو الذي قال سبحانه : { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ *} [الذاريات: 22-23]

و هو تعالى القائل : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }[هود: الآية 6]

سبحانه قال: { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا } [فصلت: 10]

أتخافين أن يـُجيعك الله؟

أتخافين ألا يزوجك الله؟

أتخافين أن يتركك الله غير آمنة؟

يجب عليك أولاً الصدق مع الله . . اصدقي الله يصدقك . . توبي توبة صادقة يكفِك كل ما أهمك . .

{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2 ، 3] .

واعلمي أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته . .



3- التبرؤ من الحول والقوة :

أن تتبرئي من كُلّ حول وقوة ، وأن تستشعري الإعانة والمعية وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى.

إن كُلّ صعب بحول الله وقوته يصير سهلاً ، فإذا استعنت بالله أعانك ،والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فهو قادر على أن تبيتي وأنت تحبين المعاصي، وتصبحي وأنت تكرهينها . . وما يدريك؟

إن التبرؤ من الحول والقوة أن تدعي حولك وقوتك ، عزيمتك وهمتك، وأن تستعيني بالملك القادر القاهر، فاستعيني به . .

لما هُدد شعيب : { قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ * } [ الأعراف :88 ، 89] تبرأ من الحول والقوة بقوله: " عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا " . . و انتهت القضية . .

" اصنعوا ما شئتم" .. قالها نوح من قبل: { فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ } [ يونس :71] .

وقالها هود – عليه السلام - : { فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } [هود 55 ، 56]

و كما قلنا من قبل، فإن نواصينا ونواصي أعدائنا فى يد ملك واحد ، في يد رب واحد، يصنع بنا وبهم كيف يشاء، لذلك تبرئي من حولك وقوتك، واستشعري معية الله :{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد : 4] .

بعلمه وإحاطته وحوله وقوته معك: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [ البقرة : 186] .. وقال صلى الله عليه وآله وسلم : "احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك" [الترمذي وقال حسن صحيح].

أيتها الأخت فى الله:

لاستشعار المعية انظري وقارني بين قول الله عزوجل : { أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [ العلق : 11-14 ] ،في مقابل جواب الله تعالى على قول موسى و هارون : { قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [ طه : 45 ، 46 ] .

قارني بين الآيتين : فالأولى { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [العلق : 14] ذكِرت على سبيل التهديد والوعيد ، و الأخرى على سبيل تثبيت القلب، وطمأنته بعد الركون إلى الله وصدق اللجوء إليه . .

فى حال المعصية تذكري: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } ،أي سينتقم إن لم ترجعي.

وفى الثانية -حال كونك تتوبين- تذكري: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } معية رحمة وإعانة وتوفيق وتسديد وهداية .



أيتها المسلمة.. بل أيها المسلمون جميعاً.. التزموا

التزموا دين الإسلام..

ولا تقولوا sad.gifالالتزام صعب)

فإن استثقلتم التوبة، والتمسك بسبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه..

فادفعوا التسويف.. واصدقوا الله .. وتبرؤوا من الحول والقوة

تجدوا الالتزام يسرا، واتباع الهوى عُسرا



اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

والحمد لله رب العلمين

 

Minibluff the card game

Hotels